27 أكتوبر 2025
تسجيلما أشبه الليلة بالبارحة، فالتاريخ يعيد نفسه.. والأحداث تتكرر وتعاد مرات ومرات ولكن تتغير الأزمان والأماكن والأسماء. فبالأمس خرج داع يدعو إلى الحق والحرية وهو الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ونادى بالخير والمساواة بين الناس، فلا فضل لأبيض على أسود، ولا لعربي على عجمي إلا بالتقوى، وأعطى المرأة حقوقها، ودعا إلى نشر العدل والسلام والإخاء، وإلى مكارم الأخلاق. لم تعجب دعوته هذه قساة القلب من المشركين لذلك قرروا أن يعاقبوه وقومه وذلك بأن فرضوا عليهم حصارا ظالماً جائرا آثما استمر ثلاث سنين، وتعاهدوا على ألا يتعاملوا معهم بأي شكل من الأشكال، وفرضوا عليهم حصارا اقتصاديا واجتماعيا، واتفقوا على ألا يناكحوهم، وألا يبايعوهم ولا يبيعون لهم ولا يشترون منهم، وألا يجالسوهم ولا يخالطوهم، ولا يدخلوا بيوتهم ولا يكلموهم، وألا يأخذوا منهم صلحا أبدا، ولا تأخذهم بهم رأفة حتى يسلموا الرسول صلى الله عليه وسلم لهم كي يقتلوه، وعلقت الصحيفة في جوف الكعبة. استمر الحصار أياماً وأشهرا حتى بلغ ثلاث سنين، وفي أثناء ذلك كان بعض المشركين يتعاطف مع أرحامه المحاصرين، وكانوا يرسلون إليهم الطعام ليلاً حيث كان يحمل البعير بالطعام والثياب ويقف على رأس الشعب ثم يطلق البعير كما كان يفعل الصحابي حكيم بن حزام رضي الله عنه. وحاول بعض رجال قريش فك الحصار عن بني هاشم ومنهم زهير بن أبي أمية الذي قال: يا أهل مكة.. أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم، والله لا أقعد حتى تُشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. وبعد مضي ثلاثة أعوام من الحصار نزل الوحي على النبي صلى الله عليه وسلم يخبره أن الصحيفة قد سلط الله عليها دويبة ضعيفة فأكلت ورقتها إلا ما كان فيه من ذكر الله، فأخبر الرسول عمه أباطالب بذلك، الذي انطلق إلى قريش يخبرهم بأمر الصحيفة وقال لهم ان كان كلام ابن أخي حقا فانتهوا عن قطيعتنا، وإن يك كاذبا دفعته إليكم، فقالوا قد أنصفتنا، ومشوا إلى جوف الكعبة فوجدوا الصحيفة قد أكلتها الأرضة، ولم يبق عليها إلا اسم الله. وهكذا خرج بنو هاشم من الشعب وتم رفع الحصار المفروض عليهم. وها نحن الآن تعاد في زماننا هذه القصة، وتتكرر الأحداث مرة أخرى من أهلنا وأبناء جلدتنا الذين قاموا بمقاطعة بلدنا الحبيب (قطر) وفرضوا عليه حصارا بريا وبحريا وجويا ظالما جائرا ليس لشيء إلا لأن قطر كانت وما زالت كعبة للمضيوم، وملاذا للآمنين، داعية إلى الحق والحقيقة، مدافعة عن المظلومين والمستضعفين، لذلك قامت دول الحصار بطرد الرعايا القطريين من أراضيها، وعملوا على تمزيق النسيج الاجتماعي وتفريق الأفراد والأسر، وكتبوا في ذلك صحيفة تشبه صحيفة شعب أبي طالب، ونحن نتساءل الآن هل علينا أن نصبر ثلاث سنين حتى يُفك هذا الحصار عن بلادنا؟ أليس فيكم رجل رشيد أمثال زهير بن أبي أمية أوحكيم بن حزام يُذكر قومه وينصحهم ويستنكر عليهم فعلهم ومحاصرتهم لإخوانهم؟ ويا تُرى ماذا ستكون الدويبة الضعيفة التي ستأكل الصحيفة وتأكل معها المطالب الثلاثة عشر؟ سبحان الله.. يضع سره في أضعف خلقه.. ولكن تذكروا أن الله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.