16 سبتمبر 2025

تسجيل

جنرالات العسكر تخلوا عن الديكتاتور ليحتفظوا بالديكتاتورية

23 مايو 2015

حتى أعالج قضية "الجيوش والسياسة" في منطقتنا فلابد أولا من الإشارة إلى أنه من أخطر أسباب الاستبداد والديكتاتورية حين يتحكم الجنرالات في إدارة شؤون السياسة والحكم وهو ما يستلزم بالضرورة قهر الشعوب وتعذيبها فهي لغة الجيوش في التعامل مع الشعوب وهو ما لم تعد تحتمله الشعوب الحرة كما لم تعد تتحمله التطورات العالمية المعاصرة ولهذا جاءهم الرد أقوى مما يتخيلون وذلك في ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا حيث أسقطت الشعوب حكم الجنرالات ودهسته وقامت بدفنه سياسيا وما يجري الآن من الثورات المضادة هو محاولة لإخراج حكم الجنرالات من القبور مرة أخرى. ثانيا.. لابد وأن أقرر أن ثورة يناير في مضمونها الحقيقي ومغزاها الموضوعي هي ثورة على حكم العسكر وتمرد على سلطة الدبابة وفي هذا الإطار فنحن نرى أن حكم الجنرالات قد أساء إلى الجيش وأضر بالأمن القومي قبل أن يضر بالسياسة والحكم.ثالثا.. لابد وأن أعترف أن جنرالات المجلس العسكري قد نجحوا في التآمر على ثورة يناير ويقومون الآن بالتنكيل بكل رموزها وأنصارها وقد بدأ مخططهم منذ 11 فبراير حين قرروا أن يتخلوا عن الديكتاتور ليحافظوا على الديكتاتورية.. كما أعترف بأن نجاحهم كان بسبب انقسامنا بل وتمزق صفوفنا وإن كان ذلك بفعل مخططاتهم.. كما أعترف بأن عدم وجود رؤية وبرنامج لاستكمال ثورة يناير كان من أهم أسباب نجاح مؤامرة الجنرالات.. كما أعترف بأن أهم فرصة لاستكمال الثورة كانت هي فرصة حكم د. محمد مرسي والذي تم انتخابه _في تقديري_ كقائد للثورة وليس رئيسا للدولة ومن ثم فقد كان الواجب يقتضي أن يحكم بمنطق الثورة ومن قلب ميادينها.رابعا.. لابد وأن نوقن أنه من المستحيل أن تبقى الديكتاتورية تحكمنا وقد سقطت من كل مناطق العالم فقد سقطت في أمريكا اللاتينية وسقطت في أوروبا الشرقية وسقطت في آسيا كما سقطت في إفريقيا ولم تبق منطقة تحكمها الديكتاتوريات ويتحكم فيها الجنرالات سوى منطقتنا!!ثم ماذا قدم الجنرالات في الحكم على مدى 60 عاما حتى يواصلوا حكمهم ويريدون التمديد لهم اليوم؟!ماذا قدموا لفقراء مصر غير الجوع.. لقد أفقروهم وطالبوهم "بربط الأحزمة" بحجة الصراع العربي الإسرائيلي ولما تخلوا عن ثوابت هذا الصراع في كامب ديفيد سلطوا عليهم رجال أعمالهم لينهشوا فيما تبقى من لحمهم؟!ماذا قدم الجنرالات في مجال الصحة ولدينا أعلى معدلات قياسية وعالمية في الأمراض سواء في الفيروس سي أو الفشل الكلوي أو السرطانات وغيرها من الأمراض.. إلا إذا اعتبرنا جهاز الكفتة إنجازا يستحق الإشادة!!ماذا قدم الجنرالات في مجال الإسكان ولدينا 20 مليونا يعيشون في العشوائيات وما يقرب من 2 مليون يعيشون في المقابر في القاهرة وحدها.. ولا تسأل عن أعداد ساكني عشش الصفيح.. ولا ملايين الأطفال المشردين في الشوارع بلا مأوى والذي يتداول الجنرالات مشروع إبادتهم كما تباد الكلاب الضالة!!ماذا قدموا في مجال التعليم وما يقرب من 50% من الشعب المصري أصبح أميا لا يعرف القراءة والكتابة فضلا عن تدهور حال التعليم مقارنة بالكثير من دول العالم.ماذا قدموا في مجال الحريات سوى الأرقام القياسية في عدد سنوات الطوارئ وأعداد المعتقلين والمعذبين.. فقد عذبوا الأجيال جيلا بعد جيل ومازالوا يعذبونهم حتى هذه اللحظة.. لقد صادروا الحريات وأمموا السياسة وطاردوا الشرفاء وكان حجتهم في الثلاثين عاما الأولى هي الصراع العربي الإسرائيلي والذي أنهوه عام 1978م في كامب ديفيد بالتسليم بكل شروط إسرائيل في المنطقة في مقابل استمرار نظام حكمهم داعما للمشرع الإسرائيلي!! وكانت حجتهم في الثلاثين عاما الأخرى هي مكافحة الإرهاب - برغم أنهم السبب الرئيسي في وجوده - فإذا بالإرهاب ينمو ويترعرع في عصرهم بشكل غير مسبوق وينتقل من بلادهم إلى غالبية دول العالم!!ماذا قدموا في مجال الأمن القومي.. وقد فككوا كل أساسياته وسلموا كل ملفاته ومفاتيحه للخارج.. ثم هاهم يمزقون المجتمع إلى شعبين (إحنا شعب وأنتوا شعب) وهاهم يسعون لتعميق ونشر الطائفية ومأسستها.لقد جاءت التسريبات لتكشف حكمهم بصورة لم تكشف من قبل ووضعت أطنانا من العار على طبيعة حكمهم وطريقة إدارتهم لأكبر دولة في المنطقة وكانت فضيحة مدوية كفيلة بالإطاحة بعشرات الحكومات ورغم ذلك فهم يواصلون على كراسيهم وكأنهم لم يرتكبوا شيئا أو كأن ما جاء في التسريبات هو وسام شرف لهم يدل على وطنيتهم ويستوجب الاحتفاء بهم والتمديد لهم!!خامسا وأخيرا.. لابد وأن أؤكد أن أشرف اللحظات في تاريخ مصر الحديث هي اللحظات التي تفجرت فيها ثورة 25 يناير والتي وضعت مصر الحديثة على مسار جديد لا يمكن التراجع عنه ولن تستطيع قوة في الأرض أن تخرجها عن قضبانه ولهذا يجب أن ندرك أننا حتى هذه اللحظة نكمل ثورة يناير وأن مشروعنا السياسي مرتبط بقيمها وأهدافها وتقاليدها التي بهرت العالم وأجبرته على احترامها حتى أن العديد من مدن العالم حاولت تقليدها عندما أرادت أن تعارض حكوماتها.. لقد مثلت ثورة يناير أهم لحظات عزنا وشعورنا بكرامتنا وهي لحظات عزيزة في تاريخ شعبنا ولن ينساها أبدا.لكننا يجب أن نعترف أن المؤامرات على ثورة يناير قد حققت عدة نجاحات، وأنها الآن تعيش في محنة كما أنها تحتاج إلى تجديد حتى تتجاوز محنتها بل إنها في نظري تحتاج لثورة من داخل الثورة وذلك على مستوى المفاهيم ثم على مستوى الآليات حتى تكمل مشوارها وتحقق أهدافها بنجاح وهو ما يستدعي الآتي:1. الخروج فورا من الثنائيات القاتلة للثورة المصرية وأخطرها (ثنائية العسكر/ والإخوان) و(ثنائية الإسلامي/ والليبرالي) ومن ثم ضرورة التأكيد على (ثنائية الثورة على الثورة المضادة) أو (ثنائية الحرية في وجه الاستبداد).2. لابد من العمل على إعادة بناء مظلة 25 يناير وفق مشروع وطني جامع وذلك بمشاركة كل رموزها وكياناتها دون استبعاد أحد والاقتداء في ذلك بـ18 يومًا عاشت فيها مصر أجمل أيامها ولم تكن مجرد أحلام وكانت هذه التجربة هي أهم ما صدرته مصر للعالم خلال الستين عاما.3. لابد من حرمان الانقلاب من أهم نقاط قوته وتمركزه في المجتمع والتي أقامها على "تمزيق الساحة الثورية والسياسية" و"تقسيمه للمجتمع" بصورة لم تحدث من قبل.. وهنا لابد وأن أؤكد على أن "المصالحة المجتمعية" و"التوعية الشاملة" هي المسمار الأخير في نعش الانقلاب ومن ثم الديكتاتورية.4. لابد من القبول بتعدد المسارات المعارضة للانقلاب بأشكالها المختلفة "الثورية" و"الاحتجاجية" و"السياسية" حيث يمكن أن تتحرك كلها على خطوط متوازية وغير متقاطعة وتصب جميعا في مشروع واحد يحقق هزيمة الديكتاتورية وإنهاء الاستبداد.5. لابد من طمأنة كل الأطراف بل والمؤسسات التي ورطها الجنرالات في الوقوف في خندق مناوئ لثورة يناير فنحن دعاة سلم أهلي وحرية لكل المصريين ودولة مدنية (لا عسكرية ولا ثيوقراطية).6. لابد من تأسيس البديل الوطني الجاهز لبناء الدولة والقادر على التعامل مع العالم وفق ظرفه ومعطياته بالغة التعقيد.7. لابد من التعامل الذكي والمتطور مع التغيرات الإقليمية والدولية الأخيرة التي تهيئ المنطقة لأفول نجم الثورات المضادة وتضع بلادنا على ظروف جديدة تؤهلها لاستكمال ثورتها.إن أزمة منطقتنا أنها مخيرة بين كوارث خمس: الاستبداد أو الاحتلال أو الإرهاب أو الطائفية أو الفوضى.. وأنها لن تتجاوز هذه الأزمة المعقدة إلا من خلال مبادئ ثلاثة:• الحرية التي تنهي عصور الاستبداد وتؤسس للديمقراطية وتقطع الطريق على إمكانية عودة الديكتاتورية مرة أخرى.• الحفاظ على كيان الدولة وعدم السماح بتقسيمه.• إبعاد الجيش عن السياسة وعدم السماح بتدخله فيها مهما كانت الظروف وذلك حفاظا عليه واحتراما لمكانته وكرامته ودوره.وبدون ذلك فإن مصر ستدخل على مسارات كارثية ستكون خطرا على المنطقة بأسرها ومن ثم النظام الدولي كله.