17 سبتمبر 2025

تسجيل

التلميذات النيجيريات أمام إرهاب بوكو حرام

23 مايو 2014

تعيش نيجيريا منذ 14 أبريل الماضي على وقع اختطاف 276 تلميذة من مبيتهن الداخلي في مدرسة شيبوك الواقعة في الشمال الغربي للبلاد، من قبل جماعة بوكو حرام الإسلامية المتطرفة، وقد استطاعت 53 تلميذة الفرار من هذا الجحيم الذي وضعن فيه، بينما بقي 223 تلميذة قيد الأسر القسري في مكان مجهول من طرف خاطفيهن. وفي أول شريط فيديو بث يوم 12 مايو الجاري، أعلن أبو بكر شيكاو زعيم بوكو حرام في الفيديو هذا مسؤولية بوكو حرام عن عملية خطف التلميذات في ولاية بورنو في منتصف أبريل الماضي، وأضاف أن التلميذات اعتنقن الإسلام، مظهرهن في إطار صلاة جماعية، وطالب زعيم بوكو حرام باستبدال التلميذات النيجيريات المخطوفات بمعتقلين إسلاميين متشددين لدى الحكومة النيجيرية. يعتبر النيجيريون أن هذا الشريط الجديد يعكس صورة الزعيم الإسلامي الذي نسبت إليه سلسلة هجمات دامية منذ أن خلف محمد يوسف على رأس هذه الحركة بعد أن أعدمته الشرطة النيجيرية في 2009. وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير أخير "مع شيكاو على رأس بوكو حرام أصبحت الحركة أكثر عنفاً وفتكاً وتدميراً".. حتى إن جماعة أنصار الشريعة الإسلامية التي أعلنت مسؤوليتها عن خطف أجانب وبثت أشرطة فيديو عن إعدامهم على الإنترنت، قررت أن "تأخذ مسافة من بوكو حرام لأنها تعارض المجازر العشوائية التي ترتكبها ووحشيتها" كما ذكرت مجموعة الأزمات الدولية.رفضت وزارة الداخلية النيجيرية الخضوع لهذا الابتزاز، مؤكدة أنه لا مجال لاستبدال شخص بشخص آخر، وليس لبوكو حرام والخاطفين أن يملوا علينا شروطهم، وبالمقابل يرى الأستاذ من المعهد الفرنسي للجيوبوليتيك المتخصص في نيجيريا مارك أنطوان بيروس دو مونتكلو، أن هناك تواطؤا من قبل الأجهزة الأمنية النيجيرية سهلت عملية خطف التلميذات. ويتساءل هذا الخبير الدولي، لماذا هذه المدرسة بالذات ظلت مفتوحة للقيام بالامتحانات، بينما كل مدارس الولاية أغلقت أبوابها؟ و كيف تمكن الخاطفون من الفرار برهائنهم، بينما الطرقات تجوب فيها الدوريات العسكرية؟عملية خطف التلميذات النيجيريات أثارت تنديداً محليا في الداخل النيجيري، وكذلك تنديدا دولياً، إذ أعلنت الولايات المتحدة أن طائرات تجسس تحلق فوق شمال نيجيريا للمساعدة على العثور على نحو 223 تلميذة مخطوفات منذ منتصف أبريل لدى جماعة بوكو حرام الإسلامية التي رفضت الحكومة النيجيرية مطالبها للإفراج عنهن. وتأتي مهمات "التجسس" و"المراقبة" التي أعلنت عنها واشنطن مساء الاثنين 12 مايو الجاري في وقت تتوسع فيه التعبئة الدولية من أجل هؤلاء الفتيات وقبل بضعة أيام من انعقاد قمة تنظمها فرنسا حول هذا الملف.وصرح مسؤول كبير في الإدارة الأمريكية: "لقد تقاسمنا مع النيجيريين صوراً التقطتها أقمار صناعية تجارية ونقوم بعمليات تحليق بمشاركة طياري تجسس ومراقبة واستطلاع فوق نيجيريا بإذن من الحكومة". تشكلت جماعة "طالبان" المعروفة في نيجيريا بلغة الهاوسا بـ"بوكو حرام" (أي التربية الغربية حرام)، في يناير 2004، من طلاب تخلوا عن الدراسة واتخذوا من قرية كاناما في ولاية يوبي (شمال شرق نيجيريا) المحاذية للحدود مع النيجر قاعدة لهم، لكن السلطات قالت إنها تأسست منذ العام 1995.. وضمت الجماعة عند إنشائها حوالي مئتي شاب مسلم متطرف بينهم نساء، وتبنوا على غرار نظام "طالبان" السابق في أفغانستان هدف إقامة دولة "إسلامية" شمال البلاد، ولاسيما بعد أن تمركزت الجماعة في أربع ولايات نيجيرية هي بوشي وبورنو وكانو ويوبي.وفي عام 2005، صرح امينو تاشن ايليمي، أحد قادة الجماعة، بأن الأخيرة تعتزم شن تمرد مسلح وتنظيف المجتمع من "الفسق والفجور". وكانت ولاية كانو الأكثر سكانًا بين الولايات النيجيرية الـ 36 بعد ولاية لاغوس، حيث يقيم فيها ما لا يزيد على 8 ملايين نسمة، منهم ثلاثة ملايين في مدينة كانو، والتي نظرا ًلتلقيها موازنة ضعيفة من الموازنة الاتحادية، هي الولاية التي رحب معظم سكانها بتطبيق الشريعة، علها تكون شبكة الخلاص لبؤسهم الاقتصادي والاجتماعي. بحسب الاعترافات التي أدلى بها المقبوض عليهم من أنصار "بوكو حرام" فإنّ محمد يوسف (39 عاما) قد اعتنق الفكر الشيعي لسنوات طويلة قبل أن يتحوّل إلى النهج الطالباني. وقالوا إن زعيمهم، الذي كان يلقب بـ "ملا عمر نيجيريا"، كان يحلم بإقامة إمارة ذات مظاهر طالبانية في شمالي نيجيريا يطبق فيها أفكاره التي تعتبر تعليم الفيزياء والعلوم من المحرمات وكذلك دراسة اللغات والعلوم الغربية وبخاصة اللغة الإنجليزية السائدة في نيجيريا، وأضافوا أنه لا يؤمن بتعليم أو عمل المرأة، وينادي بالتعدد المطلق للزوجات رغم أنه ليست لديه سوى زوجة واحدة وطفل واحد. واعترف أعضاء التنظيم بأن زعيمهم كان يكفر كل من يقبل العمل في أجهزة الدولة، لاسيما الأمنية، ولا يتسامح إزاء أصحاب الديانات الأخرى أو حتى مخالفيه في الفكر من المسلمين. كما أحل يوسف لأتباعه سرقة أموال وأسلحة ونهب ممتلكات الآخرين ممن لا يتبنون أفكار "بوكو حرام"، وكان يحث أصحابه على التمثيل بجثث قتلاهم. لقد بلغت حصيلة قتلى الهجمات التي وقعت في شمال نيجيريا - وتعزى المسؤولية عنها إلى جماعة بوكو حرام الإسلامية المتطرفة - آلاف القتلى منذ العام 2009، و2000 قتيل منذ بداية عام 2014. وكانت مدينة أبوجا العاصمة النيجيرية تعرضت لتفجيرات بالسيارات المفخخة، وشهدت معارك بالرصاص بين المتمردين وقوات الأمن، مخلفة عشرات القتلى.وأعلنت بوكو حرام (الثقافة الغربية حرام) مسؤوليتها عن الهجمات في أبوجا، حين قالت: لقد قمنا بها ثأرا لإخواننا الذين استشهدوا على أيدي قوات الأمن في 2009. وتابعت: "سنواصل الحرب على الدولة النيجيرية حتى نقضي على النظام العلماني ونؤسس دولة الإسلام".بعد مقتل محمد يوسف زعيم حركة بوكو حرام في عام 2009، خلفه، أبوبكر محمد شيكاو على رأس الحركة، حيث تتضارب التقارير حول تاريخ ولادته بدقة، بين أعوام 1965 أو 1969 أو 1975 في قرية من المزارعين ومربي المواشي قرب الحدود مع النيجر في ولاية يوبي (شمال شرق). وقد درس الفقه لدى رجال الدين المحليين في مايدوغوري عاصمة ولاية بورنو المجاورة، وفي تلك الحقبة تعرف على الداعية محمد يوسف مؤسس بوكو حرام قبل أكثر من 10 سنوات.ورغم أن حركة بوكو حرام كانت حركة عُنْفِيَةً في عهد محمد يوسف لجهة تركيزها على تطبيق الشريعة الإسلامية في شمال نيجيريا حيث الغالبية المسلمة، فإن الخبراء يعتقدون جازمين أنه مع وصول شيكاو على رأس الحركة ازدادت الهجمات المتكررة ضد المدنيين والمسيحيين والمسلمين ما جعل الجميع ينسون خطابات يوسف ضد النظام النيجيري الفاسد.وقبل مقتل يوسف كان شيكاو يتهمه بأنه "معتدل أكثر من اللازم" وفقاً لمجموعة الأزمات الدولية.ومع الاعتداء على مقر الأمم المتحدة في أبوجا في أغسطس 2011 الذي أوقع 23 قتيلا، انتقلت بوكو حرام إلى تنفيذ عمليات نوعية ما أشاع مخاوف من إلحاق الحركة بمجموعة جهادية على المستوى العالمي.ويعتقد البعض أن كوادر بوكو حرام تلقوا تدريبات في الجزائر والصومال، لكن العلاقات التي أقامتها الحركة في الخارج لم يتسن التأكد منها بعد. أما أبرز عمليات الحركة التي يعتقد أنها أرست أيضا علاقات مع تنظيم "القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي" وحتى "حركة الشباب" الصومالية. ومنذ 2011 شنت حركة بوكو حرام هجمات نوعية على مدينة أبوجا، استهدفت الكنائس والمساجد ورموز السلطة وأيضا المدارس والجامعات ومساكن الطلاب حيث قتلوا تلاميذ أثناء نومهم، والولايات المتحدة تعد شيكاو "إرهابيا على المستوى العالمي" ورصدت مكافأة قيمتها سبعة ملايين دولار (5.3 مليون يورو) لمن يقدم معلومات تؤدي إلى القبض عليه. وهكذا، اعتقد بعض الطلاب الإسلاميين الأصوليين أن تطبيق الشريعة الإسلامية هو الحل لجميع المشكلات التي تعاني منها الولايات الشمالية، كما أنها تمثل الوسيلة الأنجع لتحسين الوضع الاقتصادي، ولاسيما أن نيجيريا تعتبر القوة الاقتصادية المسيطرة في منطقة ما بعد الصحراء، إذ إن سوقها يتجاوز 80 مليار دولار، وتمثل 40% من تجارة إفريقيا السوداء، وتمتلك موارد طبيعية ضخمة (زراعية، ونفطية، ومنجمية) تسيل لعاب القوى الدولية الغربية، ويزيد من اجتماع الرأسمالية المتطرفة مع القومية المتطرفة هذا الإغراء.. وتعاني نيجيريا من الاختلال المناطقي والإثني على صعيد توزيع منافع التنمية الاقتصادية، وهو ما شكل عائقاً مستمراً بالنسبة لبلد لم يحقق وحدته الوطنية إلا بواسطة حرب أهلية مدمرة.