19 سبتمبر 2025

تسجيل

مازال الحزن حاراً

23 مايو 2011

منذ يومين استضاف أحد البرامج مجموعة من أمهات الشهداء الذين سقطوا في الميدان وهم يطالبون برحيل مبارك، مازالت جروح الأمهات خضراء، ومازال دمعهن مدراراً، مازال وجع فقدهن لأبنائهن وحزنهن حاراً، مازالت فجيعتهن بتذكر تفاصيل ما حدث عصية على الاحتمال، ومازلن يطالبن بالقصاص العادل ممن حرمهن من فلذاتهن، ورغم ذلك الألم الفارع أعجب جداً من قلة يتجاهلونه ويحاولون استعطاف شعب مصر العظيم ليعفو عن مبارك مستخفين بدم مئات الشهداء والجرحى الذين سقطوا ليبقى مبارك على كرسيه! كل من شاهد وجع الأمهات ونحيبهن إنحاز لأوجاعهن وكان مع القصاص العادل ليس فقط لدم الشهداء الأبرياء وإنما لقتل مصر، لقد قتل مبارك مصر مع سبق الإصرار والترصد بالإفقار وليسقط الاقتصاد المصري سقوطاً مدوياً وغير مسبوق دون أن يهتز له جفن، إذ كان المهم جمع ما يستطيع وأسرته وليذهب الشعب الصابر بكل مقدراته إلى الجحيم، كان صعباً على كل مصري شريف أن يسمع أحد رجال الأعمال المرموقين وهو يقول (إن اقتصاد مصر يهبط هبوطاً مفزعاً) وكان صعباً أن يقول أحد الوزراء (إن لم تكف الاعتصامات لتدور عجلة التنمية فلن نتمكن من دفع المرتبات بعد شهور معدودة) وفوق مصيبة الاقتصاد المتهاوي مصيبة أيدي الخراب التي تجوس في أرض الوطن لتهدم ما تبقى من استقرار، كل يوم تطالعنا اخبار مفزعة عن كم التخريب العمدي، والاحتجاجات التي يحرض عليها أعوان النظام المسجون والتي لاتعطي أي فرصة لحكومة شرف الذي أشفق عليه كثيراً لالتقاط الأنفاس، فما يكاد الرجل يصلح شأناً حتى تهدم يد التحريض شؤونا كثيرة، كل يوم يرسل أعوان النظام رسائل غلهم اليومية في إصرار واستماتة لإشعال الفتن، وتقليب الناس وتحريضهم على الفوضى وترك مواقع العمل لشل الإنتاج، وتعطيل أي محاولة للبناء، أو حتى محاولة الوقوف، مازال البلطجية في حالة إصرار على قتل الأمل في أي تعافٍ أو نهوض! الحقيقة التي لا كذب فيها تقول إن مبارك وأسرته أفقروا مصر، وحطوا من قدرها، وضيعوا مقدراتها، واستغلوا مناصبهم في الإثراء الفاحش بينما الشعب يغرق في فقره، ومرضه، وأميته، ومحنه، وطوابيره التي أذلت آدميته، كل الصور مؤلمة، كل الوطن دام، وقلب الأمة موجوع، ومع ذلك يحاول البعض استدرار العطف على ما آل إليه مبارك وأولاده متجاهلاً تماماً نزيف وطن اكتشف أن ظهره مكشوف، وأن غده مجهول الملامح، وأن من ضربه في قلبه الجشعون من أبنائه، وأن السكاكين مخبأة خلف الظهر للطعن، وأن المحن كقطع الليل تتوالى لاغتيال وطن طالما عاش آمناً!! وأقول هنا لكل الذين يحاولون مساعدة مبارك للإفلات من الحساب بعفو شامل من أدراكم أن مبارك، وأسرته، ووزراءه، ومحاسيبه، وكل المتربحين من قربهم وقرابتهم سيحمدون للشعب النبيل عفوه إن عفا؟ من قال إن كل الذين أساءوا للوطن وقتلوه سيتفرغون للندم والتوبة على كل ما كان؟ إن كل الشواهد، وكل الرصاص الذي انهمر على شباب الميدان ليقتلهم كي يبقى مبارك في الحكم تؤكد أن المعفو عنهم يمكن أن يستقبلوا العفو بانكسار لكن إلى حين ترتيب أوراقهم، وجمع أعوانهم، ولم شتاتهم لينقضوا من جديد بكل الشراسة الممكنة، ليعيدوا وحشية موقعة الجمال والحمير، ويتفننوا في وسائل دحر الحق، والتنكيل بالملايين التي قالت (ارحل). لو حدث العفو سينتظر نظام مبارك المخلوع حتى تهدأ الأمور ثم ينقض كبومة جائعة على فريستها، ويمكن أن يكون الرد على العفو النبيل بمجازر ما خطرت على قلب إنسان، لذا مصر في غنى عن كل تلك المفاجآت الصاعقة، بل إن من حق الشعب الذي دفع دم أبنائه ليظفر بانتصار ثورته، من حقه أن يرى محاكمة عادلة لكل رموز الفساد التي قتلت مصر، وليكن العقاب عبرة للآتي، لمن سيحكم مصر لاحقاً، ليوقن أن عقاب الفساد مؤكد مهما علت المناصب، أو تضخمت السلطة، وحتى لا يفكر أحد أي أحد من رواد الكرسي في أن رأس السلطة ممكن أن ينسى شعبه ليعظم ثروته من قوت الناس ودمهم ثم عندما تثبت عليه وقائع الفساد يطلب العفو والصفح فيجده وكأن شيئاً لم يكن، وليذهب دم الشهداء هدراً بلا دية، والمثل القديم قال "من أمن العقاب أساء الأدب". • طبقات فوق الهمس: إن فرحت فلا تغتر، وإن فزت فلا تتكبر، وإن سقطت فلا تقطع الرجاء في رب قادر على رفعتك، وإن هزمت فلا تيأس من رب قادر على نصرتك، وإن سعدت فتذكر أيام الحزن لتحمد ربك، وإن حزنت فتذكر أيام النعم ولا تقطع الدعاء لربك، إن اتهمت الغير فلا تنس نفسك، وإن أحببت الخير لنفسك فلا تنس غيرك، العدل في الميزان أمر إذا أطعناه انصلح البنيان، وإن نسيناه فلن يصلح حال أي إنسان. محمود كرم الدين