15 سبتمبر 2025

تسجيل

أوباما وفرصة التغيير العربي

23 مايو 2011

للمرة الأولى يكاد رئيس أمريكي يعترف بأن إدارته لا تملك سوى مواكبة الأحداث في العالم العربي تمهيداً للتأثير فيها، وبالتالي للسعي إلى توجيهها، ففي خطابه الأخير قال باراك أوباما إن الولايات المتحدة لم تكن هي التي أخرجت الناس إلى الشارع العربي لتطالب بالحرية وتستعيد كرامتها وتطرح خيار الديمقراطية سبيلاً إلى التخلص من الحكم الاستبدادي ولم يفته أوباما أن ينبه مرتين على الأقل، إلى أن التغيير المنشود قد يأتي إلى الحكم هنا وهناك بمجموعات وتيارات قد لا تنسجم مع السياسة الأمريكية لكنه اعتبر أن من الأفضل التعامل مع أنظمة تتمتع بتمثيل شعبي والعمل على بناء أطر للتفاهم معها بدل الاعتماد على أنظمة تبني أنها استطاعت إطالة أعمارها بالعنف والبطش. قبل سبعة أعوام، غداة غزو العراق واحتلاله وإعلان أنه سيكون "نموذجا" للديمقراطية في العالم العربي، كان الرئيس جورج بوش وإدارته فرضا مقاربة مختلفة إذ بلورا نوعا من التحالف الدولي الموازي لتحالف الدول المشاركة في الغزو ليعتمد خطة سميث "الشرق الأوسط الكبير" أو "الموسع" تحت شعارات الديمقراطية والإصلاح السياسي والاقتصادي والتعليمي، كانت تلك الخطة التي عقدت لأجلها مؤتمرات دولية عدة، سليمة من حيث الأهداف وحتى في التفاصيل، إلا أن إطارها السياسي العام رسم بذهنية "الحرب على الإرهاب" ووفقا لطموحات الهيمنة الأمريكية، أي أنه انطوى على منحى "عقابي" لدول المنطقة، أنظمة وحكومات وشعوبا، فضلا عن إرادة – معلنة أحيانا – لإعادة رسم خريطة المنطقة بما يعنيه ذلك من تقسيمات وإثارة حروب أهلية، ورغم أن أمريكا جندت "تحالفا دوليا" لمساندة هذا المشروع إلا أن المعارضة الحقيقية له جاءت من داخل هذا التحالف، فبعض الدول المؤثرة شكك في المنطلقات والأهداف، مع تأييده القوي لتشجيع نهجي الإصلاح والدمقرطة. لعل رفض الأنظمة العربية لـ"التدخل في شؤونها" أسهم في إعاقة ذلك المشروع، إلا أن تفجر العنف داخل العراق نفسه ما لبث أن أضعف حماس الإدارة الأمريكية التي انشغلت أيضا بمعالجة ورطتها في العراق، وما عزز شكوك المعارضين الغربيين أن وزيرة الخارجية الأمريكية آنذاك، كوندليزا رايس كررت أكثر من مرة على مسامع نظرائها أنه يجب إقناع العرب بتجاوز صراعهم مع إسرائيل وعدم التذرع به لتبرير تهاون حكوماتهم في واجباتها سواء في الإصلاح السياسي أو في تنظيم الأداء الاقتصادي، وهنا أيضا كانت هواجس "الحرب على الإرهاب" مسيطرة، إذ فهمت واشنطن أن ذاك الإرهاب هو نتاج القهر والقمع بمقدار ما هو نتاج سوء توزيع الموارد وارتفاع معدلات البطالة، قد يكون الربط بين معاناة المجتمع وظاهرة الإرهاب صحيحا جزئيا، إلا أن الطريقة التي اختارتها واشنطن للمعالجة لم تكن مفيدة على الإطلاق وقد تبين في ما بعد أنها لم تكن جدية، فمن جهة وجد الأمريكيون أن مصالحهم تفرض عليهم استمرار العمل مع الأنظمة القائمة وتعزيزها، ومن جهة أخرى لم يكن لديهم الاستعداد – ولو النظري – لقبول مجموعات إسلامية أو "غير منسجمة معهم" حتى لو اكتسبت شرعية عبر صناديق الاقتراع. أكثر من ذلك، كان واضحا أن إدارة بوش افترضت أن مسألة الإرهاب أطاحت القضية الفلسطينية، فهذا ما طرحه الإسرائيليون وعملوا بموجب فور حصول هجمات 11 سبتمبر، إذ انكب ارييل شارون على تقويض السلطة الفلسطينية وصولاً إلى تصفية رئيسها ياسر عرفات، وما لبث إيهود أولمرت أن تسلح بذريعة الإرهاب ليرفض نتيجة الانتخابات الفلسطينية عام 2006 وفوز "حماس" فيها وذلك بحجة أن "حماس" لا تعترف بإسرائيل، ولا تزال عقلية "الحرب على الإرهاب" تملي التعامل الأمريكي مع الشأن الفلسطيني، حتى لو أدى ذلك إلى رفض مصالحة شاءها جناحا الشعب الفلسطيني بكامل إرادتهما. رغم أن أوباما تمايز كليا عن أفكار الإدارة البوشية، ورغم أن الظروف وفرت له معطيات جديدة مكنته من طرح "عقيدة" جديدة للسياسة الخارجية، إلا أن جوهر تلك السياسة لم يمس، فهو لا يزال ومن الواضح أنه سيستمر في التعامل مع القضية الفلسطينية خارج إطار القوانين والأعراف الدولية. إذ لم يعط أوباما أي انطباع بأنه قادر على الخروج من قوقعة المفاهيم الإسرائيلية والخطوط الحمر التي وضعتها إسرائيل للسياسة الأمريكية، فليفسر ذلك بمصالحة الانتخابات وبالتوازنات داخل حزبه وإدارته وبحسابات التعامل مع كونجرس جمهوري أو ديمقراطي، لكنه لا يحجب التناقض الفاضح بين فهم التحولات الجارية في العالم العربي وبين ما يدعيه أوباما عن بناء علاقة جديدة مع العرب والمسلمين، صحيح أن الثورات الشبابية لم تضع الشأن الفلسطيني في أولوياتها، لكن من الخطأ الاعتقاد كما فعل وزراء إسرائيليون بأن شباب الثورة هنا وهناك لم يعودوا مؤمنين بهذه القضية، الأصح هو أنهم بسعيهم إلى الحرية والكرامة، يستعجلون فعل إيمان جديد بها، بل الأكيد أن "السلمية" التي يخوضون بها ثوراتهم ستساهم في إنتاج مقاومة مدنية قد تغدو أكثر فاعلية من الجيوش وهزائمها المتلاحقة. لا بأس في أن يعتمد أوباما في "عقيدته" مبدأ مكافأة الدوليتين، مصر وتونس، اللتين أسستا نادي التغيير العربي، ففي ذلك إشارة ضرورية للدول (أي للشعوب والمجتمعات) التي لم تستكمل تغييرها بعد، لكن العبرة ليست في القيمة المالية للمساعدات وإنما في الاشتراطات التي يتوقع أن ترافقها، فكلما اقتربت من محاولة بيع إسرائيل وجرائمها واحتلالها ومخالفاتها القوانين الدولية، فضلاً عن ترسانتها النووية وتمييز أمنها عن أمن جيرانها، كلما فقدت تلك المساعدات المعاني السامية والجميلة التي أراد أوباما الإقناع بأنها باتت هي التي تسيّر السياسات الأمريكية في المنطقة، الأفضل أن تتضمن برامج المساعدة عملاً حقيقياً وجدياً لبناء سلام عادل وإلا فإن فرصة التغيير السانحة الآن في العالم العربي قد تتعرض لتصدعات إذا سعت أمريكا وإسرائيل إلى توجيهها نحو تسويغ الوضع الاستعماري الشاذ على أنه وضع مقبول وطبيعي.