11 سبتمبر 2025
تسجيليعاني العالم اليوم من أزمات ونزاعات وحروب في مختلف أرجائه، شمالا وجنوبا وشرقا وغربا، سواء تعلق الأمر بالدول الغنية والديمقراطية أو تلك التي تعاني من الفقر والدكتاتورية. وقد يسأل سائل ويقول لماذا لا يسود السلام والوئام والاطمئنان والسلم والسلام دول وشعوب العالم؟ لماذا الإقصاء والرفض وعدم التفاهم والتعاون بدلا من التعايش السلمي واحترام خصوصية وثقافة وديانة وأيديولوجية الآخر؟ لماذا يحاول القوي فرض سياسته ولغته وثقافته على الآخر ولماذا ينجر وراء مصالحه الاقتصادية والسياسية ويستعمل كل الطرق والوسائل لتحقيقها؟ في كلمة ألقاها الدكتور حمد بن عبد العزيز الكواري مرشح دولة قطر لمنصب مدير اليونسكو في الندوة الدولية حول تعزيز قيم السلام والحوار التي انعقدت مؤخرا في مدينة سوسة بتونس أكد المتحدث على ضرورة تعزيز قيم السلام والحوار و"أن معركة البشرية اليوم، المعركة الجماعية هي ليست معركة عسكرية بل هي معركة ثقافية وساحتها الحقيقية ليست ساحة الحروب وإنما ساحة العقول"، فالإرهاب يولد وينمو في عقول البشر، والكراهية والحقد وإقصاء الآخر هي أفكار في أذهان الناس قبل أن تتحول وتتجسد في أرض الواقع. فإذا أرادت المنظومة الدولية أن تتخلص من هذه الآفات فلابد أن تبدأ بمعالجتها في عقول وأذهان البشر، فعلى قول أحدهم "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام". مع الأسف الشديد هناك جهل كبير بقيم الإنسانية وحضارات وديانات الشعوب، جهل ناجم عن الحملات الظلامية وانتشارها عبر وسائل الاتصال المختلفة، وهناك جهل ناجم عن ظاهرة الاغتراب التي أصبحت تعيشها شعوب العالم قاطبة جراء الانغماس في ثقافة التبسيط والتعليب والتسطيح والتجهيل، وهناك نوع آخر من الجهل وهو الناجم عن الفقر وانعدام الوسائل والإمكانات، فالخوف من الآخر بسبب ديانته وجنسيته ولونه وعرقه ولباسه ما هو إلا تعبير واضح وصريح عن الجهل، فعلى أي أساس أخاف من دين معين وأنا أجهله تماما ولا أعرف أبسط قيمه ورسائله وأهدافه..إلخ، وعلى أي أساس أحكم على دين معين من خلال شخص لا علاقة له بذلك الدين أساسا، فالاختلاف لا يعني بالضرورة العداء والإقصاء وضرورة الحروب والنزاعات والحقد والكراهية وإنما الاختلاف هو طبيعة البشر والإنسانية والشعوب والأمم، والاختلاف يجب أن يكون مصدرا للنمو والازدهار والرقي والتقدم. ما نلاحظه اليوم في العالم، في عالم العولمة والأحادية هو انتشار ثقافة توحيد القيم وعولمة طرق التفكير والتحليل والنظر إلى قضايا البشر ما يعني تمجيد وتقديس الكوني والعالمي وإقصاء الوطني والجهوي والإقليمي والمحلي، فعندما نتجاهل ثقافة الآخر فهذا يعني أننا تجاهلناه ويعني أننا قضينا على أسس ومقومات فهمه واحترامه وتقديره.تتميز العلاقة بين الغرب والإسلام بالمواجهة بدلا من الحوار، وبالتقصير من قبل الجانبين في تحقيق الفهم والتعاون لتجنب العداء والصراع. كيف ينظر كل طرف إلى الآخر ولماذا انتشرت ثقافة الخوف والصراع والاستئصال بدلا من التفاهم والتكامل والتعايش؟ ماذا يمثل الغرب للمسلمين؟ هل يمثل المسيحية أم العلمانية أم الإلحاد؟ هل يرمز إلى الثورة الاقتصادية والثورة المعلوماتية والمجتمع الرقمي والتنوير وحقوق الإنسان والحريات الفردية وحرية الفكر والرأي، أو تمثله الفاشية والعنصرية والاستعمار والهيمنة، أم أن الغرب تمثله كل هذه الخصائص والصفات المقومات والعوامل والظواهر معا؟الغرب مفهوم ضبابي تمثله كل التناقضات والظواهر والعوامل السابقة والتي قد يناقض بعضها البعض. ما يُقال عن الغرب يُقال عن الإسلام كذلك حيث أننا لا نستطيع أن نتكلم عن مجتمع إسلامي مثالي خال من أي تأثير للثقافة والحضارة الغربيتين. كما أن العالم الإسلامي ليس عالما متجانسا بالضرورة، فهو عالم يتسم بتناقضات داخلية عديدة ومتنوعة، قد تكون في بعض الأحيان حادة. من جهة أخرى نلاحظ أن الغرب لا يعني بالضرورة الديانة المسيحية وأنه عالم لا يسكنه سوى الأوروبيون؟ الغرب يحتوي على جنسيات وديانات عديدة ومختلفة ومنها الديانة الإسلامية. فهناك ملايين المسلمين يعيشون في الدول الأوروبية والولايات المتحدة الأمريكية. ففي عصر العولمة هناك تداخل مستمر وخليط ومزيج بين الثقافات والمعتقدات والديانات وأنماط المعيشة. وهنا نلاحظ أن الإسلام كدين، يؤمن بهذا التنوع ويحترم الأديان والمعتقدات، فالتنوع والاختلاف والتمايز هي سنة من سنن الله التي لا تبديل لها ولا تحويل، فالإسلام يرفض مذهب الصراع والتصادم ويمجد التدافع الحضاري وفلسفته. جاء في كتابه سبحانه وتعالى:"لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون" المائدة:48. "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير" الحجرات:13. فالتنوع والاختلاف من حكم الخلق من أجل أن يكون هناك تدافع وتنافس على طريق الصلاح والإصلاح والخيرات، فالمستقبل في الرؤية الإسلامية تتعدد فيه الديانات والملل والشرائع، فالإسلام يعترف بوجود تتعدد فيه العوالم المختلفة والتي تقوم على التنوع والتمايز والاختلاف والتعارف والتعايش.على حين ينكر كلٌ الآخر وينفيه، يتفرد الإسلام والمسلمون بالاعتراف بكل الشرائع والملل وجميع النبوات والرسالات، وسائر الكتب والصحف والألواح التي مثلت وحي السماء إلى جميع الأنبياء والمرسلين، منذ فجر الرسالات السماوية وحتى آخر وخاتم هذه الرسالات.. وفوق هذا الاعتراف، هناك القداسة والتقديس والعصمة والإجلال لكل الرسل وجميع الرسالات. وبالمقابل نلاحظ أن المشروع الغربي يهدف إلى إلغاء المشروع الإسلامي ويفرض العولمة والقيم الغربية على العالم بأسره ويطبق مبدأ الإنكار والاستئصال. ما هي المسافة إذن، التي تفصل العالم الإسلامي عن الغرب؟ الحقيقة أن الأجندة التي وضعتها وسائل الإعلام والصناعات الثقافية المهيمنة على الصعيد الدولي- والتي هي في واقع الأمر محتكرة من قبل حفنة من الشركات المتعددة الجنسيات العملاقة- تُقدم العالم الإسلامي في صورة التخلف والتعصب الديني والقمع وانعدام حقوق الإنسان والحريات الفردية واضطهاد المرأة والأقليات، والقائمة قد تطول. كما تتناول وسائل الإعلام الغربية الأعمال الإرهابية والمتطرفة التي تقوم بها بعض الجماعات الإسلامية على أنها جزء من الدين والفكر والسلوك الإسلامي، وبذلك تساوي بين هذه الأعمال الإرهابية والإسلام وتستنتج أن الإسلام هو دين الإرهاب على نحو شمولي وتتناسى وتتجاهل أن الدين الإسلامي بريء من هذه الأعمال وأن سبب التطرف والإرهاب هو الظروف الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والحرمان والإقصاء والجهل وعدم فهم الدين الإسلامي في الأساس. كما تتناسى هذه الوسائل أن التطرف والإرهاب موجودان في جميع الأديان وفي مختلف دول العالم. والأخطر من هذا، أن هناك فريقا من المفكرين والمنظرين والباحثين يدعمون وينظرون ويرّوجون لهذه الأفكار العنصرية والتضليلية من خلال أطروحاتهم وأفكارهم ودراساتهم وتحليلاتهم. وقد انضم إلى هؤلاء، مجموعة من القادة السياسيين الفاعلين على المستوى الدولي للتأكيد على هذه الصور النمطية وربط الإسلام والمسلمين بالإرهاب والتطرف والعنف والجرائم والتخلف وإقصاء الآخر.