15 سبتمبر 2025

تسجيل

حتى يعذر بعضنا بعضا في المحتمِلات !!

23 أبريل 2015

قليلا ما يتعرض أحد لأخطائه يعترف بها خصوصا من كان مثلي يحمل أفكارا تشتبك في جانب منها مع الثوابت الدينية.. ولكني أعترف اليوم ودون أي حراجة بأني أخطأت في بعض القراءات السياسية والتحليلات التي كتبت حولها ونافحت كثيرا في الدفاع عنها ؛ والفضل بعد الله تعالى لما مرت وتمر به الأمة من انفلاتات وثورات مضادة أخرجتنا من السكرة إلى الفكرة وأعادت توزين الأمور في نصابها.. وأقول: مما أعترف بأني كنت مخطئا فيه ظني أن الكثير مما يقال عن خلافات الفرق والمذاهب وتناحرها العقدي والفكري والسياسي هو استحضار آثم لماض أليم لم يعد له واقع إلا بقدر ما يخطط له أعداء الأمة، وظني أن علينا التخلي عن البحث في الفوارق وأن لا نغرق في الطائفية حتى نستطيع رؤية الحقيقة كاملة ونجد الطريق للتعاون مع المخالفين.. ثم اكتشفت أن ولاءات ما قبل ألف وأربعمائة عام من أحقاد العصور والدهور هي التي تحرك مخالفينا.. نعم ؛ أخطأت في فهم هذه الحقيقة رغم أن دراستي التخصصية في أصول الدين والفرق.. فارحم اللهم من ليس متخصصا . ومما أعترف بأني كنت مخطئا فيه ظني أن "حسن نصر الله" هو بالفعل نصر لله وليس نصرا لطائفته ومذهبه، وأن ولاءه للمقاومة يلغي كل ولاء لأي انتماء سياسي، وظني أنه لا يقول إلا الحقيقة، وأنه أحد أهم مكونات أمل الأمة ونصرة فلسطين.. ثم اكتشفنا أنه مع الانقلابات ومع العلمانية الدموية، وأن معاركه هي معارك أمريكا وأزلامها وصنائعها، وأنه يدعم السيسي والمخاليع والفسدة هنا وهناك، كما رأيناه لا يستحيي من الكذب بعد الكذب فوق الكذب وتحت الكذب ليدافع بفهاهة وينافح ببلاهة عن القتلة والمتخلفين الآبقين ولم يبق إلا أن ينسب لهم العصمة.. ومما أعترف بأني كنت مخطئا فيه الاقتناع - لفترة بعد انتصار الثورات - بأن الشعوب العربية قد تجاوزت أيديولوجية تأليه الحاكم ولم تعد ترضى بالقهر والكبت ونفخ الإنسان بخراطيم المياه في مراكز التحقيق.. ثم اكتشفت أن مئات السنين من العبودية والمسكنة والاستكانة من جهة الشعوب ومثلها من تألّه الحاكم المستبد ونرجسيته لا تمحوها أيام ثورة مصر وتونس ولا شهور ليبيا واليمن، ولا جولة ثورة ولا جولات اقتراع.. صحيح أن ذلك لا ينطبق على البعض في شعوبنا من اكتشفوا قيمة الكرامة ؛ لكن القليل من هذا البعض من لديه استعداد للتضحية في سبيل ما يريد وما يؤمن. ومما أعترف بأني كنت مخطئا فيه بعد محاكمة المخلوع وابنيه ووزير داخليتهم في مصر - بالطبع - قبل مسلسل البراءة للجميع وقبل انقلابات السيسي والحوثي وحفتر وتراجع النهضة.. بأن اعتصام مائة شخص في ميدان عام في عاصمتهم تحت أعين الإعلام حتى لو كانوا من السكارى والمخدرين كالذين اعتصموا شهورا في ميدان التحرير زمن مرسي بأن صوتهم سيسمع في كل مكان، وأن جيوش الأمة لم تعد تجرؤ على قتل مواطن واحد من دون مبرر قانوني تحت طائل الخوف من المحاكمة والمحاسبة.. إلى أن جاء قتل آلاف الثوار وحرق المساجد وقصف المدن ثم سكوت العالم الحر على كل ذلك ليقلب هذه القناعة.. ومما أعترف بأني كنت مخطئا فيه في فترة ما بعد الانتفاضة الفلسطينية الثانية وحيث انعقدت مؤتمرات التنسيق والتعاون الإسلامي – القومي بأن القوميين والناصريين والعلمانيين في بلادنا صاروا يتقبلون الإسلاميين، وأن مرحلة الهالك عبدالناصر وجرائمه بحق معارضيه وتسببه في هزائم متوالية قد صارت ماضيا جاء الحاضر وفضائحه وانكشافاته لتعفي عليه النسيان وتلقي عليها تهمة الخطيئة، وكنت أقول في نفسي لو كان عبدالحليم قنديل (الكاتب الناصري) وأمثاله وأشباهه في الناصرية ناصريي ومستشاري عبدالناصر يومذاك لما حدث ما حدث بينه وبين الإخوان، ولوجد ألف حل وحل لجمع الشمل الوطني.. لكنني اكتشفت أن ناصريي زماننا أكثر ولاء لأخطاء وخطايا عبدالناصر من أولئك وأشد بؤسا وأكثر ولوغا في الدماء منهم، وأنهم يتبعونه حذافيريا حذو القذة بالقذة.. آخر القول: قصدت أن لا يتعجل أحدنا في الحكم على الأمور، وأن لا ننغش بخطاب لغوي أيا ما كانت محسناته البديعية والبلاغية إن لم تدعمه الوقائع، وأن لا نثق بظواهر أحداث قد تكون مصنّعة لغاية الإضلال.. وقصدت أن لا يخجل المرء من الاعتراف بخطئه، وأن يحكّم الثوابت فيما يرى وفيما يرى أنه يرى..