12 سبتمبر 2025

تسجيل

إدارة الحزن

23 أبريل 2014

الحزن مشاعر بشرية طبيعية تعترينا وتعصف بنا من وقت لآخر، تقرع أبواب نفوسنا أحيانا وتدخل دون استئذان أحيانا أخرى، فكثيرا ما يأتي الحزن بلا سبب، حيث أثبتت بعض الدراسات العلمية أن الاكتئاب قد يورث من الأهل لأبنائهم كما تورث الكثير من الأشياء.قد يبلغ الحزن مداه الأقصى حد الاكتئاب، وقد يكون الحزن كردة فعل لعدم التكيف مع الواقع، بحيث يتم تشخيصه كأعراض قلق أو كآبة، وقد تصبح عائقا من ممارسة الإنسان حياته الطبيعية. إذا كيف ندير أحزاننا؟، ولماذا يختلف مفهوم الحزن والتعاطي معه من شخص لآخر؟فقد نجد بعض الناس يستطيعون الخروج من الحزن العظيم بسرعة، بينما يعلق بعضهم في الحزن اليسير مدة طويلة من الزمن. مثال ذلك قيس بن الملوح، والذي أرى أنه كان يعاني من الاكتئاب الذهاني بسبب ذلك الحب الأسطوري، أو ربما بسبب استعداد وراثي.فالحزن حالة عابرة وطارئة على النفس ولكنها ليست مرضية، أما الاكتئاب فهو مرض قد يزداد حدة مع الوقت حتى يلجأ الإنسان إلى بعض الأدوية أو إلى الصدمات الكهربائية في أسوأ الحالات. والاكتئاب كما هو معروف يسبب اضطرابات في النوم وفقدان الشهية، أو على العكس أحيانا فقد ينام المصاب بالاكتئاب أكثر من اللازم، وقد يصاب بالشره للطعام. قد يأتي اكتئاب ما بعد الولادة للنساء، وهو نوع من الاكتئاب شائع جدا بسبب التغيرات البيولوجية والضغوط النفسية المترتبة على تغير الحياة بعد الولادة، والآلام التي نتجت عنها أحيانا.وقد يأتي الحزن في بعض الأحيان من داخلنا بسبب أو بغير سبب وقد يكون مجرد تغيرات كيميائية داخل الجسم كما يحدث لبعض النساء قبل الدورة الشهرية.أما الأكثر شيوعا حاليا في عصر السرعة والتكنولوجيا فهو الاكتئاب المطعم بالقلق، ويصاب به الرجال والنساء على حد سواء، حيث تأثر السمات الشخصية بشكل كبير على الإصابة بالاكتئاب. وحتى نستطيع أن نفرق بين الحزن والاكتئاب فلابد أن نرى مدى تأثيره على الحياة الاجتماعية وطريقة التعاطي مع الحياة، فالاكتئاب يغير نظرة الإنسان للعالم وتصاحبه أعراض نفسية وجسدية، بينما يكون الحزن مجرد شعور يدرك الإنسان أنه طارئ ويزول بزوال أسبابه.للحزن دورة محددة، خصوصا ذلك الحزن الذي يأتي بعد صدمة معينة، لأن الإنسان أحيانا قد ينكر ما حدث لهول الصدمة، وهذا الإنكار حقيقة يخفف وطأة الخبر، فهي رحمة ربانية بلغة الإنكار حتى يأتي الخبر مقسطا إذا صح التعبير، ثم تأتي حالة الاحتجاج بعد ذلك الإنكار، فيغشى الإنسان بعض الحزن، حتى يصل المرء إلى القبول والتسليم آخر المطاف.الواجب هنا على الإنسان المستبصر بحاجاته النفسية أن يسهل الدخول في تلك المراحل الواحدة تلو الأخرى حتى يصل إلى القبول في أسرع وقت ممكن دون أن يتجاوز أحد تلك المراحل فيبقى عالقا في إحداها ويتسبب لنفسه بكثير من الألم والحزن.إن المشاعر في كل الأحوال تحتاج إلى إدارة، سواء كانت حزينة أو سعيدة، وهو بمثابة الاستثمار في القوة الصغيرة لدينا، لأن أكثر من يستمرون بالحزن يفكرون في كمية ذلك الحزن دون الالتفات للرصيد الموجود عند الإنسان من الاحتمال والصبر. من إدارة الحزن أيضا أن يتعرف الإنسان على نفسه وملكاته وسماته الشخصية، وأن يعرف إيجابياته وسلبياته، والأبواب التي نفذ الحزن منها إلى نفسه، فقد يكون الإنسان شخصية قلقلة، تزيد من مشاعر الحزن لديه، وربما كان لديه مشكلة في إدارة المصائب، فاستكشاف النفس ومعرفة أبوابها هو مطلب أساسي، حتى نخفف من العوامل الخارجية المؤثرة. بعض الناس لديهم رضا داخلي، ويكون الحزن عندهم يسيرا، وحتى نستطيع تحقيق ذلك الرضا لابد أن نوازن بين العقل والعاطفة، لأنه في حالة الحزن تغلب العاطفة على العقل. هناك من الناس من يُحقر نفسه وبالتالي فهو يقبل الكآبة لأنه لا يكترث لذاته ويرى أنه حري بالحزن والألم، وكان الأجدر أن يرضى عن نفسه حتى يرفع عنها تلك النظرة الدونية وأنا أجد لزاما على علماء الشريعة عند الدعوة إلى الله أن يفطنوا لبعض المصابين بالاكتئاب، فمن الخطأ الجسيم أن نذكر هذا المكتئب بالنار لأن عنده قلق وخوف شديدين، وإنما يذكرونه بالجنة ونعيمها ويربتون علي نفسه المجهدة، فذكر النار أولى بإنسان ظالم ومستبد ولا يعبأ بأحد إلا نفسه.حتى أستطيع إدارة حزني لابد من تغيير الاتجاه، فأكثف تفكيري فيمن أحب، وأزاحم الحزن بالحب، وأجعل الإيجابيات أقوى من الحزن نفسه حتى تتغلب عليه. لابد أن نقوم بتعزيز سيكولوجية الإيمان بالقضاء والقدر فنحيا على أن أمر المؤمن كله خير إن أصابته سراء شكر وإن أصابته ضراء صبر. ولابد أن ندرك بأن الحزن مجرد شعور عابر مثل بقية المشاعر يجب أن أديرها وأستخرج أفضل ما فيها، أما التباكي فهو انفعال يجب أن أتجنبه وأقصيه إلا في الخشية من الله عز وجل.