17 سبتمبر 2025
تسجيلحمى الله سوريا وشعبها الطيب من أي مكروه، فلا يسع أيُ لبناني فيه خلية من عروبة أو إسلام إلا ويتمنى لسوريا دوام الاستقرار لما لها من دور وتأثير مباشر وغير مباشر على لبنان، يعكس ذلك الشعور تلك المعادلة التي تتفق عليها غالبية الأحزاب السياسية في لبنان سواء كانت مناهضة للنظام السوري أو مؤيدة له، ومفاد المعادلة هي " أمن لبنان من أمن سوريا" وبناء على المعادلة آنفة الذكر فلا يجوز للبناني إلا أن يعمل على استقرار سوريا حاله كحال أي سوري. وحتى أكون منصفاً فإني لا أعلم أن جهة سياسية في لبنان تُعلن أو تدرج في أدبياتها السياسية المعلنة أنها معنية بتغيير النظام في سوريا أو تسعى لذلك وأن جلّ ما يُطالب به خصوم سوريا في لبنان هو أن تحترم سوريا الوضع الداخلي اللبناني وأن تكون العلاقة بين البلدين هي من دولة إلى دولة شقيقة تجمعهما أواصر الأخوة ووحدة المصير ولا يريد هؤلاء من سوريا أكثر مما تريد سوريا منهم فيما يتعلق بأوضاعها الداخلية. ورغم كل ما سبق فإن الأحزاب السياسية في لبنان ربما تفهم حسن الجوار مع سوريا هو التدخل بشكل ما في أوضاعها الداخلية، ولو بدأنا من قوى 8 مارس والتي تتشكل من ثلاث قوى أساسية هي حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر إضافة لأحزاب سياسية أخرى فإنها لم تكتف بالدعاء لسوريا لتجاوز المحنة الحاصلة بل رأت أن واجبها الإدلاء بدلوها في الموضوع. ولترجمة وقوفها إلى جانب سوريا فقد عقدت ما يسمى بـ " لقاء الأحزاب والقوى والشخصيات الوطنية اللبنانية وتحالف القوى الفلسطينية" مؤتمراً في العاصمة بيروت يوم الاثنين الماضي من أجل - ما قيل إنه - "التضامن مع الشقيقة سوريا في مواجهة المخطط الأمريكي الصهيوني الغربي للنيل من دورها الوطني والقومي المقاوم"، حيث رأى النائب عن كتلة حزب الله نواف الموسوي أن المطلوب اليوم هو دعم سوريا، " الدولة والقيادة التي أبت إلا أن تكون في موقع المقاومة"، في حين قال النائب علي حسن خليل باسم رئيس المجلس النيابي نبيه بري إنه "لولا سوريا بشار الأسد وقبلها سوريا حافظ الأسد لما كان هناك لبنان القوي القادر المقاوم الممانع والمنتصر على العدو الإسرائيلي". أما رئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط فهو يذهب إلى ما هو أبعد من الحديث عن معادلة " أمن لبنان من أمن سوريا " إلى القول إن سوريا أسهمت إلى جانب القوى الوطنية والتقدمية بمواجهة مشاريع التقسيم والتفتيت، وأسقطت اتفاق 17 مايو، مما فتح الطريق إلى اتفاق الطائف. ولم تقتصر قوى 8 مارس على دعمها للقيادة السورية بل تبنت رؤيتها للأحداث بشكل لا يحتمل النقاش ولا حتى اللبس، بل يذهب النائب السابق لمجلس النواب إيلي فرزلي – معروف بمناصرته التاريخية لنظام الأسد – إلى القول إنه "مع الرئيس الدكتور بشار الأسد ظالماً أو مظلوماً ". أما في المقلب الآخر وأقصد هنا قوى 14 مارس وفي قلبها تيار المستقبل، فقد اتهمه التلفزيون السوري الرسمي بالوقوف وراء الاضطرابات التي تشهدها سوريا، وما قاله السفير السوري في لبنان عبد الكريم علي فإن الحكومة السورية تُجهز ملفاً كاملاً ستقدمه للدولة اللبنانية تثبت حجم ودور تيار المستقبل في تلك الاضطرابات وهو ما دفع تيار المستقبل للرد بقوة على هذه الاتهامات معتبراً أن النظام في سوريا يريد تصدير أزمته إلى لبنان من خلال اتهام جهات لبنانية بما تشهده المدن والقرى السورية من احتجاجات شعبية تطالب بالحرية والكرامة على غرار بقية الشعوب العربية. على أية حال، لا يحق لأحد أن يؤكد هذه الاتهامات أو ينفيها لمجرد الانتماء السياسي، ولعل الجهة المعنية بالفصل في الموضوع هي الجهات القضائية المختصة، ولحين أن تبت تلك الجهات بالموضوع، ألا يحق لنا أن ندعو الأحزاب السياسية اللبنانية موالاة ومعارضة إلى التعاطي بوسطية مع الملف السوري، كما ندعو إلى علاقات سليمة بين البلدين تقوم على الاحترام المتبادل بحيث نحصن الجبهتين اللبنانية والسورية إذا كان هناك أصلاً اختراق خارجي يهدف إلى التخريب؟ وإذا كان أحد يشكك في ضرورة ما ندعو إليه فإننا نسأله هل من تفسير أن جميع التظاهرات التي شهدتها الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ودول عربية التي نظمتها الجاليات السورية كانت تخرج لتندد بالعنف ضد المتظاهرين في حين تخرج التظاهرات في لبنان لتؤيد النظام السوري فقط؟.