18 سبتمبر 2025

تسجيل

هزائم العلم بين سكاي لاب والطائرة الماليزية

23 مارس 2014

الاختفاء الغريب للطائرة الماليزية ذات الرحلة رقم 370 بطاقمها وركابها الـ 239 عن أنظار العالم وشاشات الرادار الدولية الواسعة منذ الثامن من مارس الحالي يؤكد أن القرية العالمية الصغيرة التي يتغنى بها دعاة العولمة والمؤمنون بالعصر الرقمي تمتحن الآن في قدراتها وتقنياتها الواسعة؛ فحادثة الطائرة تهزم بهرجة الإعلام الواسعة التي تبرز التفوق العالمي وإمكاناته حين تصطدم بواقع مثل حادثة تلك الطائرة التي لا يزال سرها غامضاً ولوعة أقارب ركابها تتزايد رغم محاولات البحث الكثيفة التي استنهضت لها العديد من دول العالم قدراتها وتقنياتها ؛ بيد أن لا أحد حتى الآن يجزم بأي معلومة عن مصير تلك الطائرة، مما أدخل العالم أجمع في حالة فريدة من القلق والخوف، عموماً نحن نصلي مع كل العالم من أجل الركاب وسلامتهم؛ وتذكرني هذه الحادثة بحالة القلق التي مر بها العالم عند ترقب سقوط المركبة الفضائية الأمريكية المسماة مختبر الفضاء Skylab في صيف العام 1979م، فرغم محدودية تقنيات الاتصال العالمي والتي لم تكن قد وصلت لهذا الحد الواسع الذي نعيشه الآن؛ إلا أن الناس كانت لهم سبلهم في الوصول بالمعلومة إلى أبعد مدى، فأخذت حادثة سقوط المركبة أبعاداً وزوايا تتعدى مضمون بيانات وكالة الفضاء الأمريكية NASA والمواقع التي توقعت عملياً سقوط المركبة فيها؛ فكانت المعلومات تصل إلى الناس محرفة ومحملة بالمزيد من الإضافات المغلوطة؛ فالكل في بقاع الأرض كان يتوقع سقوط أشلاء المركبة على رأسه، فعم الهلع بين الناس ودب الخوف بينهم؛ فالكل كان يُفتي في الموضوع؛ حتى اجتماعات شاي الضحى لسيدات الحي في قريتنا لم تنأى عنه، فجارتنا حملت إلى الجميع معلومة مخيفة مفادها أن حجم المركبة يتجاوز نصف حجم الجزيرة العربية وأنها حين سقوطها سيكون الجميع هنا في منطقة حوض الخليج العربي في عداد الأموات؛ كانت المعلومات حول سقوط "سكاي لاب" تتناقل بيننا جزافاً دون أن يكون هناك احتياطات أو تدابير معلنة، مما أقلق حتى طفولتنا وامتنعت الأمهات في القرية عن إرسال أطفالهن إلى الشوارع خوفاً على الجميع من هذا الجرم الفضائي الضخم الذي رسمته الجارة التي تدعي العلم بكل شيء أمام نساء الحارة. وأذكر أيضاً أن العمل الفني الكويتي "بساط الفقر" والمُنتج في نفس الفترة رصد الموقف ووثق له بين مشاهده حين قالت الفنانة سعاد عبد الله، وهي تؤدي دور عبلة، لعشيقها عنترة المكبل بحديد والده: "نجيت من جراح سكاي لاب ولم تنجو من جراح أبيك"؛ والشاهد في الموضوع أن قدرات الطبيعة الكونية التي تحكمها إرادة الخالق عز وجل تتحدى دائماً القدرات العالمية وميكنة الصناعة الآخذة في النمو والتطور؛ فالطائرة الماليزية لا تزال حتى كتابة هذه السطور مفقودة والعجيب أن من بين المحاولات العالمية لكشف هذا الغموض التوجه نحو "السحر والسحرة" للاستدلال على مصير الطائرة وموقعها فيما لو تحققت فعلياً فرضية سقوطها؛ فالعالم الآن أمام تحدٍ جديد يكشف عجز الإنسان عن مجرد فك لغز اختفاء طائرة ومعرفة مصير ركابها؛ فهل تفقد هذه الحادثة الثقة في المنجز الحضاري العالمي وتبرهن على العجز البشري أمام حوادث بسيطة؛ ربما لأن الإنسان قد صرف الكثير من اهتماماته نحو التسلح وصناعة أدوات الحروب والتناحر دون أن يُحقق للبشرية منجزاً يضيف لجهود التقدم والتطور ما يعزز مكانة الإنسان. كذلك تبرهن حالة الطائرة الماليزية على أهمية التوجه نحو التطوير والبحث فيما يخدم البشرية ويعالج ظروفها وحاجاتها؛ لا أن تنصرف الجهود إلى ما لا ينفع حتى إذا واجهت العالم حالة كحالة الطائرة الماليزية ظلت جهوده وخبراته عاجزة عن مجرد طمأنة أسر الضحايا وتبرير دموعهم.