12 سبتمبر 2025

تسجيل

حوار الديانات بين الوهم والحقيقة

23 مارس 2013

يخطئ من يظن أن الصراع بين الديانات والحضارات سيتوقف وأن حوار الديانات هو الذي سينتصر في نهاية المطاف. صحيح أن الديانات تتكامل لكن الإشكال المطروح هو على مستوى مجموعة صغيرة من المتلاعبين بالعقول الذين لا يمثلون إلا أنفسهم لكنهم يسيئون إساءة كبيرة للأديان والثقافات والحضارات. هدفهم الوحيد هو خلق الفتن والنزاعات والأزمات من أجل نشر ثقافة الحقد والكراهية والانتقام والتي تؤدي لا محالة للأزمات والحروب والصراعات والنزاعات بين الدول والشعوب والأمم. هذه النوعية من البشر والجماعات والتكتلات الحزبية والمالية لا تستطيع أن تعيش في السلم والأمن والأمان والأخطر من ذلك أنها لا تمثل سوى نسبة ضئيلة جدا من شعوبها. فالمتعصب والمتطرف لا يؤمن بالحوار والنقاش والتفاهم والاختلاف في الدين والعقيدة والرأي وإنما كل ما يؤمن به هو إقصاء الآخر لأنه يمثل خطرا عليه وعلى البشرية جمعاء. هذا الاعتقاد وهذا الموقف ناتج في الأساس عن الاقتناع بضرورة وجود عدو وصراع ونزاعات وحروب وأزمات للاستمرار في الحياة. الجماعات المتطرفة لا تستلطف ولا تحبذ العيش في السلم والأمن والأمان. هذه الجماعات لأنها غير طبيعية وغير سليمة ولأنها تعاني من مشكلات جمة فإنها لا تؤمن بالتكامل والتعايش مع الآخر الذي يختلف عنها في الرأي وفي المعتقد وفي شؤون الحياة العامة. الصراع بين التشويه والتضليل والتلاعب بمعتقد ودين الآخر والحقيقة والواقع ليس وليد البارحة، والمسلمون مع الأسف الشديد لم يتعلموا الدرس. فالإساءة إلى الإسلام والمسلمين والعرب تمت وتتم بطريقة منسقة ومنظمة من خلال ما يبث ويذاع وينشر في العالم عن طريق المنتجات الإعلامية والصناعات الثقافية حيث جسدتها وكرستها الأفلام والمسلسلات والأخبار والتقارير اليومية والدراسات والتحليلات والتعليقات وحتى الكتب المدرسية. فالأمر إذن يجب أن يُدرس بمنهجية وبرؤية وباستراتيجية، وأحسن سبيل لذلك هو الحوار والتفاهم وتنوير الآخر بما يجهل ولا يعلم. محاورة الآخر وإقناعه وتبصيره بحقيقة الأمر بحاجة إلى خطة منهجية منظمة ومستمرة لعمل طويل المدى بهدف التواصل والحوار مع الآخر من خلال الفكر والعلم والمنطق والتاريخ والأدلة والحجج والبراهين. فأحسن طريقة للرد على الصور النمطية والتشويه والتضليل والتلاعب هو إعطاء البديل وإعطاء الدليل القاطع وتوفير المعلومة حتى تتم عملية القضاء على الإشاعة وتصحيح المغالطات والتشويه والتحريف. وهنا يأتي دور الإعلام وهنا نتساءل: ما هو دور وسائل الإعلام في مثل هذه القضايا أهو التشويه والتضليل وخلق المشكلات والصور النمطية أم من المفروض أن تلعب وسائل الإعلام دورا حضاريا مبنيا على الالتزام والأخلاق من أجل خدمة القيم الإنسانية والأمن والاستقرار والتفاهم والمحبة في أرجاء المعمورة. فالصراع الموجود حاليا بين الغرب والشرق وبين الشمال والجنوب وبين الديانات وبين الثقافات ما هو في حقيقة الأمر سوى صراع مفتعل. الصراع هو صراع دلالات، صراع معاني، صراع نوايا أما الحضارات فيجب أن تتكامل وتتناغم وتتوافق من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء. الصراع الموجود سببه الالتباس والتشويه والتضليل وسببه هو عدم فهم الآخر أو انعدام النية لفهم الآخر. فإذا كان هناك حوار ونقاش وتواصل واتصال فهذا يؤدي لا محالة لفهم الآخر ومحاورته والاستفادة منه وإفادته. مع الأسف الشديد قنوات الاتصال والتواصل والتفاهم غير موجودة وغير قائمة أساسا بين الشعوب لسبب واحد وهو أن هذه القنوات إضافة إلى الصناعات الإعلامية والصناعات الثقافية تسيطر عليها آليات وميكانيزمات تنبذ الحوار والنقاش ومحاولة فهم الآخر ومحاولة فهم الدلالات والمعاني. يجد العالم العربي والإسلامي بمؤسساته الإعلامية والعلمية والفكرية والثقافية وبرجال دينه ودعاته، نفسه أمام تحديات جسام ورهانات كبيرة جدا، لأن عمليات الإساءة والتشويه والتضليل والتلاعب لا ولن تتوقف، لأنها أصبحت بكل بساطة جزءا لا يتجزأ من الصناعة الإعلامية والثقافية الغربية. وهذا ما يعني أن الصناعة الإعلامية والثقافية العربية والإسلامية يجب أن تتبنى استراتيجية دائمة ومستمرة ومنظمة في تقديم الصورة الحقيقية للإسلام وللحضارة الإسلامية العربية.. التحدي كبير ولا يجب أن تتوقف المساعي الحميدة من ملتقيات وندوات ومؤتمرات ليس في العالم العربي فقط وإنما في جميع أنحاء العالم. الموضوع بحاجة إلى عمل منهجي وعلمي واستراتيجي مبني على المنطق والحجج والبراهين وبلغة الآخر ولغة العصر. فالأمة الإسلامية، وأكثر من أي وقت مضى، مطالبة بألا تتوقف عن عملية تعريف الآخر بالمصطفى وبالأنبياء والرسل وبالدين الحنيف وبالقرآن الكريم ومعانيه وعبره وأحكامه. كما من واجب الأمة الإسلامية كذلك نشر الرسالة والدعوة وتاريخ الحضارة العربية الإسلامية وعالمية الدين الإسلامي ومحاسنه ونعمه على البشر والإنسانية جمعاء. في عصر العولمة والمجتمع الرقمي يتوجب على المسلمين أن يضاعفوا مجهوداتهم ومساعيهم من أجل تجنيد وتسخير وسائل صناعة الرأي العام – وسائل الإعلام- لتلعب دورا إيجابيا بنّاء وليس دورا سلبيا هداما والذي يتمثل في نشر الصور النمطية ورسائل الحقد والكراهية والضغينة والمكائد للآخر. وسائل الإعلام العالمية يجب أن تسخر ويجب أن تكون مسؤولة وملتزمة بخدمة الإنسانية جمعاء ومسؤولة عن نشر الأمن والأمان والطمأنينة والتفاهم بين شعوب وأمم ودول العالم. ما نلاحظه في أيامنا هذه هو أن وسائل الإعلام أصبحت وسائل ووسائط لتلويث المحيط الفكري والثقافي على المستوى المحلي والدولي. وبدلا من تلطيف الأجواء ونشر قنوات التفاهم والتواصل والتسامح والتعارف من أجل مصلحة الإنسانية جمعاء، نلاحظ أن وسائل الإعلام تصب الزيت على النار ونجدها في خدمة حفنة من أباطرة المال والسياسة، حفنة لا يهمها سوى الفتن والحروب والصراعات من أجل الكسب الوفير والسريع وابتزاز الشعوب التي لا حول ولا قوة لها. التحديات كبيرة وتحتاج إلى مساءلة الضمير الإنساني في الشمال كما في الجنوب وفي الشرق كما في الغرب من أجل التكامل بدلا من التنافر والتناحر. فالتكامل هو سنة الشعوب المتحضرة المثقفة الواعية التي تعتمد التسامح منهاجا لها للاستفادة من ثقافات وديانات وحضارات الآخرين وإفادة الآخرين بثقافاتها وعلومها وإنجازاتها.