11 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام والإرهاب وخطر التطرف على الشباب

23 فبراير 2022

تقوم وسائل الإعلام بدور محوري ومهم في تنوير الرأي العام، ونشر الأخبار وتحليلها والمساعدة على فهم ما يقع من أحداث، كما لها دور كبير أيضاً في التأثير على الرأي العام والاتجاهات الفكرية للجمهور المتلقي، وقد يكون هذا التأثير إيجابياً إذا تحلى بالصدق والأمانة والموضوعية، وقد يكون سلبياً إذا أسيء استخدامها وفشلت الرسالة الإعلامية من حيث المضمون، في أداء مهامها المتمثلة أصلاً في التوعية والتربية والتثقيف. لقد أصبحت وسائل الإعلام مصدرا رئيسا للحصول على المعرفة والمعلومات المتعلقة بالأحداث المحلية والإقليمية والدولية. وتعد الأحداث المرتبطة بالعمليات الإرهابية، من المواضيع الأكثر حساسية من حيث التناول الإعلامي، فقد اتُهمت في كثير من الأحيان وسائل الإعلام - بقصد أو بغير قصد - بالتحريض والتضليل ونشر الأفكار المتطرفة باسم مساحات الحرية المتاحة، كما اتهم البعض الآخر – الإعلام العربي الرسمي على وجه الخصوص – بعدم القدرة على المواجهة. ويجمع كثير من خبراء الإعلام اليوم على أن الجماعات المتطرفة تحتاج إلى الإعلام، وتعتبره سلاحاً استراتيجياً لا بد من جذب انتباهه. والإعلام قد يخدم أهداف هذه الجماعات بنشر أقوالهم وأفعالهم، وتضخيم قوتهم دون قصد، ليعطي بذلك لأعمالهم المتطرفة صدى إعلامياً واسعاً. وعلى هذا الأساس أصبح الإعلام بمختلف أنواعه – خاصة السمعي البصري – دعامة لأعمال الإرهابيين من خلال التطرق إلى أعمالهم بشكل مفرط ونوع من المزايدة، عبر الصور والتقارير التلفزية والإذاعية والتعليقات الصحفية المؤثرة، وهكذا تحولت القضايا المتعلقة بالتطرف والغلو إلى مادة إعلامية للمتاجرة قصد تحقيق أرباح مادية. ومما لا شك فيه أن الدور الإعلامي في مجال معالجة التطرف والغلو يستمد أهميته من تنامي اعتماد الجمهور على وسائل الإعلام في الظروف التي تتسم بعدم الاستقرار، وهي الأوضاع التي تترتب على وقوع الأحداث الإرهابية، حيث تسارع الجماهير لاستخدام وسائل الاتصال باعتبارها النظام الاتصالي الذي ينشأ حول الأحداث المثيرة في المجتمع، سعياً إلى التعرف على هذه الأحداث واستيعابها والأخذ بمقتضيات التفاعل الإيجابي مع تداعياتها. ولا تقتصر أهمية عمل وسائل الإعلام في تغطية ومعالجة قضايا التطرف والغلو على إمداد الجمهور بالمعلومات حول الأحداث الإرهابية، بل يمتد دورها إلى معالجة هذه الأحداث بمهنية تسهم بدور فاعل في لفت النظر إلى الطبيعة الخطرة والمتجددة لهذه الأحداث، مما يتطلب من وسائل الإعلام بذل المزيد من الجهود المنهجية والفكرية القادرة على توجيه الممارسات المهنية لتكون قادرة على الإقناع بخطورة الأحداث الإرهابية، وبما يتعين على الجمهور اتخاذه للتعامل مع هذه الأحداث، والمساهمة في دعم الإحساس بالأمن النفسي لدى الجمهور المتلقي، والتعبئة لمواجهة كافة أشكال التطرف والغلو، بدل نشر التهويل والتخويف والبلبلة والرعب، وهو ما تسعى إليه الجهات القائمة بأعمال التطرف والغلو. ومن واقع طبيعة قضايا التطرف والغلو في عدد من الدول وانعكاساتها السلبية على الجمهور المتلقي يصبح الأسلوب التكاملي في التصدي لها أمراً ضرورياً، فلا يقتصر التعامل معها على الأجهزة الأمنية أو على الإعلام الرسمي فقط، بل ينبغي أن تشارك وسائل الإعلام – بمختلف توجهاتها وأنماط ملكيتها- في هذه المسؤولية انطلاقاً مما تمليه الوظائف المهنية والاجتماعية لوسائل الإعلام من مسؤولية تجاه المجتمع. وبالرغم من أهمية البعد الأمني لمواجهة ظاهرة التطرف والغلو واحتواء آثارها، إلا أن هذه المواجهة تتطلب توسيع نطاق التعامل مع قضايا الإرهاب، بما يقتضي تفعيل الأدوار المختلفة للمؤسسات والأجهزة التي تستطيع أن تتعامل مع هذه القضايا بهدف التصدي لها وتكوين رأي عام رافض للإرهاب، بما يسهم في نشر الوعي وتكوين الاتجاهات الرافضة للسلوك الإرهابي. إن الإشكالية المطروحة اليوم تكمن في الوظيفة التي يجب أن يقوم بها الإعلام إزاء الرأي العام، فهناك من يرى أن وسائل الإعلام من واجبها إخبار المواطن بكل ما يجري في محيطه، وهناك من يرى أن ذلك قد تكون له انعكاسات سلبية على نفسية الفرد أو على توجهاته الاجتماعية. ولهذا السبب اقترحت اللجنة الخاصة بموضوع الإرهاب الدولي التابعة للأمم المتحدة على الدول، أن تحصر تغطيتها الإخبارية للأعمال الإرهابية في حدود ضيقة، وذلك لحرمان الإرهابيين من تحقيق هدفهم، المتمثل في الحصول على أكبر دعاية دولية ممكنة لعملياتهم. كما دعت هذه اللجنة إلى ضرورة التنسيق بين وسائل الإعلام المختلفة من صحافة مكتوبة، ومرئية ومسموعة لإيجاد الكيفية المثلى والموحدة للتعامل الإعلامي مع هذه الظاهرة، باعتبارها آفة خطيرة يصعب التحكم فيها إعلامياً. من جهة أخرى، وفي السياق نفسه، تصاعدت في الآونة الأخيرة ظاهرة التطرف الديني لأسباب عديدة منها الانتشار الواسع لاستعمال تكنولوجيا الإعلام الجديد التي أصبحت لدى الجماعات المتطرفة، أداة خطيرة للتحريض على الآخر، وتغليط الرأي العام، وإحداث الفتن في المجتمعات، وترويج خطاب الكراهية والتمييز العنصري، ونشرالأفكار المتطرفة باسم مساحات الحرية المتاحة ذات الصلة بحق التعبير وإبداء الرأي، مما يشكل خطرا كبيرا على قيم السلم والعيش المشترك والتكافل الاجتماعي. إن الإقبال المفرط للشباب على استعمال شبكات التواصل الاجتماعي، ما فتئ يثير الانتباه إلى أنه يحمل في طياته كثيرا من المخاطر، منها انعدام الأمن والمس بالنظام العام، وانحرافات عديدة تتمثل إجمالا فيما يطلق عليه الجرائم الإلكترونية والوقوع بين مخالب المواقع الإلكترونية للتنظيمات الإرهابية الداعية إلى الجهاد والتطرف والعنف. ويشكل الشباب في العالم الافتراضي، شريحة في غاية الهشاشة، ويمكن أن يتواصلوا مع صنف من الراشدين الذين يسعون لربط علاقات صداقة معهم من خلال المنصات والمنتديات والشبكات الاجتماعية، أو عبر بوابات الألعاب على الخط، لا لشيء، أحياناً، سوى لمراوغتهم وخداعهم واستدراجهم بأساليب مختلفة. لذلك أضحى استخدام الشباب لتكنولوجيا الإعلام الجديد يثير تساؤلات عديدة ومخاوف كثيرة، علاوة على أسئلة أخرى تتعلق بطبيعة العلائق التي تربط النشء بمحيطه الأسروي وبالمربين، واكتشاف الحلول الموائمة للتعامل مع إرادة التحرر والانعتاق المرتبطة بهذه المرحلة من الحياة. ولهذه الأسباب يؤكد خبراء التربية والأمن السيبراني على أن حماية المراهقين والشباب أصبحت تقتضي، بشكل متزايد، معرفة عميقة بالقوة الكامنة في هذه الأدوات المعلومياتية المترابطة والمتفاعلة فيما بينها لفهم أوجه استخدامها وطبيعة التواصل المسموح به بواسطتها، والإحاطة بالأشكال الممكنة للتسلل إليها واقتحامها من لدن مجرمي الإنترنت لقد ازداد الوعي بأن حماية الشباب من مخاطر الإنترنت تتطلب الأخذ بعين الاعتبار، وبالضرورة، مسألة تربيتهم، وتوعية الآباء والأقربين والمربين، وتدريبهم على استخدام وسائط الإعلام. ومن هذه المخاطر تعرض الشباب لأصناف من الإثارة، مثل التحريض على الكراهية والعنصرية، وكراهية الأجانب ومعاداة الأديان والإساءة إليها والاستهزاء بمقدساتها واحتقار رموزها، والتلاعب بالأفكار وغسل الأدمغة كلها مخاطر موجودة على شبكة الإنترنت. وهو أمر يتطلب تكاثف الجهود بين جميع الجهات المعنية من خلال اعتماد مقاربات أمنية واستخباراتية وتربوية ونفسية ودينية وثقافية وإعلامية واقتصادية واجتماعية. لذلك فإن المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني وجدت نفسها تواجه مشكلات كبيرة في حماية الشباب من مخاطر التطرف والاستقطاب من الجماعات الإرهابية عبر شبكات التواصل الاجتماعي. باحث في علوم الاتصال والحوار الثقافي