01 نوفمبر 2025
تسجيلفي رحلتنا ضمن برنامج الزائر الدولي الذي تنظمه الخارجية الأمريكية كانت مدينة سان فرانسيسكو في ولاية كاليفورنيا هي محطتنا الأخيرة؛ وصادف أن حل شهر رمضان المبارك الماضي ونحن في أجواء تلك المدينة الساحرة بمعالمها وحضورها العالمي الشهير؛ وقبل يوم السفر للعودة إلى الوطن وجهت لنا جميعاً نحن ضيوف البرنامج الدعوة لتناول الإفطار الرمضاني "وكنا عدد من أبناء الدول العربية" في ضيافة مجموعة من الأخوة الباكستانيين المغتربين والمقيمين هناك، كانت دعوة كريمة وثرية ليس في مجرد أصناف الطعام الباكستاني الشهير بل في أجوائها الرمضانية المحفوفة بالروحانية وصلاة التراويح ودعاء القنوت الذي أمن عليه الحضور المنوع من الشخصيات الباكستانية التي حضرت إلى الولايات المتحدة مبكراً وسجلت حضوراً مؤثراً لذاتها ولسمعة بلادها فصار منهم السياسي المشارك في صناعة القرار والمستثمر الذي يعزز اقتصاديات محيطه والطالب المجد في أعرق جامعات الغرب الأمريكي؛ كان الحديث ذلك المساء كثيفاً حول تجربة الحضور الباكستاني في وادي السليكون Silicon Valley والذي يعد الآن العاصمة التقنية للعالم حيث تتمركز صناعة الترانزستور وخبراته التي غيرت مجريات الحياة العالمية الحديثة فهو مكان استثنائي تتخذه معظم شركات التقنية مقراً لمراكزها الرئيسية رغم كلفة أسعار الأراضي المرتفعة جداً هناك، إلا أن المكان بتاريخه ظل ملهماً للتحدي ومقاومة ظروف التعطل عن العمل تماماً كما كانت بدايات نشأته وارتباطه بالتقنية في الثلاثينات من القرن الماضي عندما أقنع أستاذ الهندسة في جامعة ستانفورد العملاقة فريدريك إيمونز تيرمان اثنين من طلابه وهما ويليام هيموليت وديفيد باكادر على تحدي ظروف البحث عن فرص العمل التي كانت شحيحة آنذاك والبقاء في المكان وتأسيس شركتهما الخاصة في مرآب أحد المنازل في الوادي وهي شركة hp وليحققا بعد ذلك شهرة عالمية لهما وللوادي الذي استقطب كبرى الشركات العالمية للحضور والعمل للإنتاج في صناعات الكمبيوتر التي تعد الآن عصب الحياة وأيقونة التقدم والتطور في مختلف المجالات وهي الأكثر تأثيراً في اقتصاديات العالم وموارد الولايات المتحدة تحديداً؛ كان هذا حديث المساء الرمضاني في وادي السليكون مع الأخوة الباكستانيين وغالبيتهم كان عاملاً أو مستثمراً هناك في جوانب هذا القطاع الحيوي حضروا مفعمين بالإرادة وطموح التفوق على إثر سمعة الوادي ونجاحاته التاريخية وفي وجود أنظمة وبنية تحتية عملاقة وإستراتيجية توفر للمستثمر أياً كان حجم قدراته المشاركة والنجاح دون قيود أو حساب لمرجعية الأصول والفكر؛ المهم أن يكون الحاضر هنا مقتنعاً بفكرة المكان وأهدافه التي لا تقبل سوى النمو والتطور وشحذ الهمة لإضافة الجديد إلى البشرية عموماً، كانت قصص النجاح التي لا ترتهن إلى الخيال والمبالغات تتوالى على مسامعنا من مضيفينا وهم جزء من عشرات الألوف بل الملايين ممن يسيل الوادي برزقهم الذي ينبع بالفكر والتطور؛ حضروا مؤمنين بأن العمل يحتاج للتوافق بين الإرادة والطموح والتحدي والابتكار التراكمي؛ فقد تعلمنا في مدارسنا أن العلم بحر لا شاطئ له سوى أننا من نفتقد غالباً مهارة السباحة فيه والاكتفاء فقط بمشاهدة روعة تلك السفن العملاقة التي تتحدى أمواجه وتعبر محيطاته بثقة وثبات , أعتقد أن فكرة وادي السليكون ليست معجزة عصية على الإنسانية فهي فقط تجربة عملية لا تحتمل التوقف أو الاستثناء سوى للمزيد من التعاطي مع النمو والتفوق على الظروف وتحويل الفكرة والحاجة إلى منتج ملموس يضيف للحياة أبعاداً جديدة؛ فقد سمي بالسليكون عندما صنعت شريحة الترانزستور من مادة السليكون لتكون هي القلب النابض للبشرية في قرونها المشرفة وهي محرك عمل المعلوماتية وأجهزتها في كل الأنحاء وكل الأوقات بما فيها لحظات كتابة وقراءة هذا المقال؛ وأخيراً تحية لمضيفينا الأخوة الباكستانيين فقد أرادوا أن يكون العشاء ذلك المساء بنكهة السليكون؛ بقي أن أقول أن دعاء القنوت آنذاك تضمن الدعوة بأن يوفقنا الله جميعاً لكل خير.