15 سبتمبر 2025

تسجيل

الإعلام العربي والمسؤولية الوطنية

23 فبراير 2013

المتأمل اليوم في الإعلام العربي يرى كثرة القنوات والصحف والمجلات والصحافة الإلكترونية والمواقع الإخبارية وغيرها كثيرة جداً، ولكن يرى الإنسان العربي أن أغلبها يعيش في عالم آخر عن الواقع من حيث إنها لا تحمل رسالة للأمة ومسؤولية حضارية، فهي تتحدث عن الديمقراطية وحرية الكلمة ولكن بطريقة خاطئة من حيث سيكولوجية الخير  وأثره على السلوك الاجتماعي وعلى نفسية الناس وعلى المصلحة العليا للأمة، وينسى كثير من القائمين على الإعلام في بلداننا أن الإعلام الغربي والإسرائيلي والآسيوي يراعي المصالح العليا للأمة وأثر ذلك على المواطن، وهناك ضوابط متفق عليها بين الجميع ما عدا صحف لا تمثل أهمية لدى الناس، كما أن هذه الصحف والمجلات والمحطات تتنوع في عطائها في لا تركز على نوع معين من الأحداث والقضايا وإنما الجوانب الإنسانية كالصحة والمناخ والبيئة والتعليم بما يعود بالنفع على المواطن، وهذا ما نراه في الـ "سي إن إن" و"إن بي سي" و"بي إس" و"وبي بي سي" وفرانس برس ورويترز وغيرها. أما عندنا فالكثير خاطب ليل، ونجد أن بعض الإعلام عندنا يضع الخبر بطريقة مثيرة بما ينشر ثقافة الكراهية بين الناس من حيث الإثارة والتصعيد، وهذا كثيراً ما يؤدي إلى صراعات وإلى حروب، كما أنه يعطي صورة للناس وللعالم مبالغ فيها، وكل له هدف أو بعد يسبب أضراراً لهذه الأمة وهو ما لا يعني المسؤولين عن الأخبار، كما أن هناك أخباراً لا يتم التحري فيها من المواقع أو من شائعات وقصص بشعة لا يليق نشرها كثيراً ما تلفت نظر ضعفاء النفوس فيقلدونها ويمارسونها مما يزيد انتشار الجريمة في المجتمع، أضف إلى سلوكيات تؤثر في المجتمع ممن يحب التقليد، وكذلك هناك أخبار ومواقف جانبية لا تمثل رأياً علمياً كالفتاوى الشاذة ونشرها مثل قصة رضاع الكبير ومثل تحريك الحزام على النساء بالسواقة، وهي أقوال لأشخاص غير معروفين وإنما في مواقع، والفتاوى تتصدر من المفتين والمؤسسات وهيئات كبار العلماء ولكن هناك من يتعمد ذلك وبهذا يسئ إلى الأمة ويجعلها مصدر سخرية ونكت عند الآخرين. أضف إلى أنك ترى في بعض الحوارات والبرامج أشخاصاً لا يضيفون جديداً للقارئ أو المستمع وإنما مهاترات أو تكرار ومواضيع موجودة أصلاً أو ضعيفة لا تمت للواقع وحاجة الناس فتضيع الوقت وتجعل المشاهد والقارئ يصاب بالإحباط واليأس. إن رسالة الإعلام اليوم من أخطر الأشياء على واقع الأمة، كما أنه أصبح يؤثر في سير اتجاهات الناس، ولكن في بلداننا لا توجد استراتيجية إعلامية ولا رؤية واضحة وهدف، حتى أن بعض هذه الأجهزة قد تضر بمصالح الأمة لنشرها أشياء تظنها فرقعة أو سبقاً إعلامياً فيستفيد منها أعداء الأمة ويتم على ضوئها مواقف يدفع الناس فيها ثمناً باهظاً، فالسلاح الإعلامي والصوت الإعلامي يجب أن ينطلق من المسؤولية أمام الهوية والذات وأمام التحديات والأخطار. إن الإعلام في بلداننا يجب أن يراعي مسؤوليته أمام الله تجاه الأجيال وعلى المتخصصين وضع دراسات تقييم لهذا الأمر، وحتى الآن لم نجد تقييماً للأداء الإعلامي عندنا وآثاره. اليوم عندنا إمكانيات بفضل الله وكثرة في الصحف والمواقع وغيرها والقنوات، ولكن هناك قنوات توجه إلى شبابنا وإلى أمتنا تحمل أفكاراً متضاربة تجعل الإنسان يعيش حالة من الفوضى الفكرية مما يعوق الدور الوطني والمسؤولية، ونجد أن هناك جدلاً في قضايا لا تمت للواقع بصلة بل نجد صراعات الماضي التي لا علاقة للحاضر بها، وهناك جهات تمول قنوات تنشر فوضى عقائدية وفكرية واستهتاراً بعقول الناس وإبعادهم عن الواقع ودفعهم إلى جدال عقيم حول صراعات لتاريخ التي لا دخل لهم بها، إضافة إلى الفتن في نشر مفاهيم الطائفية والمذهبية والعرقية وكأن الأمر مقصود، وكذلك هناك من يتكلم في كل شيء ويبدي رأيه في كل شيء لحب الظهور والشهرة، وقد يكون بعضهم له مكانة أو شهرة فيدلي برأي أو قول قد يؤدي بخطر على الأمة ويثير فتنة الله أعلم بها. لذا نجد أنفسنا أمام هذا الضجيج وهذه الأحداث وهذه الفوضى الإعلامية أن نصارح أنفسنا ونقيم أعمالنا ونضع الضوابط التي لا تصدر بقرار رسمي وإنما هي مسؤولية القائمين على الدراسات الإعلامية. إن الغرب اليوم يضع ضوابط وقوانين لحماية المجتمع من الأفكار والآراء التي تضر بسلامة المجتمع وتضر بالوحدة الوطنية وسيادة البلاد، إضافة إلى موضوع سيكولوجية الخبر وأثره، لا أريد أن أقلل من شأن المجلات والصحف والقنوات، فهناك صحف لها جهود كبيرة ومواضيع مفيدة، وهناك برامج بالقنوات لا يمكن أن ينكر أحد دورها، ولكن هذا قليل وهناك الكثير، ولذا نسأل أين دور عباقرة الإعلام العربي عندنا والأساتذة ليؤدوا دورهم في حماية الأمة وإعدادها لتكون ذات رسالة حضارية وإنسانية؟ أين رجال الإعلام اليوم في تحمل مسؤوليتهم الوطنية تجاه أبنائهم وأجيالهم والمستقبل وبناء إعلام حضاري؟ وهذه مسؤولية المراكز والمؤسسات الإعلامية ودور الأبحاث التي يجب أن تنشأ، وكلنا أمل في تحصين أبنائنا وأمتنا وحمايتها، والمسؤولية الملقاة على رجال الإعلام كبيرة وثقيلة.