16 سبتمبر 2025

تسجيل

بعد أن انتهى معـرض الكتاب

23 يناير 2020

جميلة تلك اللقاءات السنوية بين دور النشر والقراء والمؤلفين عبر معارض الكتب التي تقام هنا وهناك في العالم، ومنها معرض الدوحة في نسخته الثلاثين، التي انتهت فعالياتها السبت الفائت، بعد أيام عشرة مزدحمة. وحول هذا الازدحام ندندن اليوم!. تنوعت الآراء والأصوات حول معرض هذا العام، بعد أن تم إدخال تعديلات على الفعاليات من برامج وأنشطة، رآها المنظمون وجيهة وأنها تثري وتزيد من حيوية ونشاط المعرض، فيما عارضهم آخرون محبون لمثل هذه المعارض، وأن التعديلات تلك ساهمت في تشويش ذهني لهم كانت دافعة لتقليص عدد وأوقات زياراتهم للمعرض، على عكس المرات الماضية. وبسبب هذا الخلاف وبعض مشاهد أخرى من المعرض، سيكون جل حديث اليوم. طبيعي أن المرء منا يحب ما اعتاد عليه ويكره أي تغيير سريع، ما لم تتهيأ الأجواء من قبل. ولكن حتى لا نطيل في المقدمة وينفلت حبل الأفكار منا، أقول بأن المعرض حقق ما يسميه المسرحيون بـ (فن الفرجة). أي أن من حضر المعرض بغرض الفرجة والاستمتاع بالأجواء المتنوعة، سواء تلك التي لها علاقة بعالم الكتب أو لا علاقة لها البتة به، استمتع وشاهد الزخرفة والألوان والبهرجة والأنغام في أرجاء المعرض. وهؤلاء الذين استمتعوا، يمكن اعتبارهم نقطة نجاح بالنسبة للفريق الذي اشتغل على إحداث تغيير بعض أجواء ومعالم معرض كتاب هذا العام. لكن هناك فئة ليست بالقليلة، ربما اعتادت على أن تكون أجواء معارض الكتب ذات طبيعة تتفق مع الكتب أو روح الكتابة والتأليف، لم يعجبها ذاك التغيير المفاجئ، وهو ما يدعو إلى فكرة التدرج في التغيير في كافة مجالات الحياة تقريباً. وبعيداً عن مفهوم صعوبة وشدة التغيير المفاجئ على النفس الإنسانية، المجبولة على حب ما اعتادت عليه من عادات وسلوكيات، إلا أن المعرض بشعاره الجميل "أفلا تتفكرون" جعلني وكثيرين نتفكر فعلاً في أن التغيير الذي أحدثه المنظمون على معرض هذا العام، لم يلق ارتياحاً من قطاع عريض من محبي معارض الكتب - وإن قال عنه آخرون إنه مريح - وهذا أمر لابد من الإشارة إليه حين ننقد أي عمل أو جهد بشري، على اعتبار أن لكل فريق وجهة نظر، والاحترام والتقدير هاهنا مطلوبان للفريقين، هذه نقطة أولى. النقطة الثانية في معرض هذا العام هي تلك المساحات الكبيرة التي أعطيت لجهات حكومية ورسمية لعرض انجازاتها، سواء كانت على شكل مطبوعات ورقية أم رقمية أم غيرها، فقد كانت الغالبية منها عبارة عن واجهات وديكورات فخمة، يمر الزوار عليها مرور الكرام. ثم إنها جهات ليست بحاجة لفعالية مثل معرض كتاب سنوي لتعرض إنجازاتها أو خدماتها فيه، وفي مقدورها عبر أدواتها ووسائلها الترويجية والإعلامية الخاصة وإداراتها وميزانياتها الضخمة، أن تروج عن نفسها طوال العام وبأفضل مما في جناح ما بمعرض كتاب سنوي، ينتظره عشاق الكتب. لقد جرت العادة، منذ أن عرف العالم فكرة معارض الكتب، أن تكون فعالية سنوية يلتقي الناشرون بالقراء والمؤلفين في موقع معين، يقدم الناشرون انتاجات المؤلفين، ويحدث في الأثناء، تواصل وتحاور فكري بين الأطراف الثلاثة حول شجون وشؤون عالم الكتب والكتّاب. ثم صارت بعد ذلك فكرة تخصيص أماكن وأوقات محددة بغرض الالتقاء بمؤلفين بارزين ينتظرهم قراؤهم، ويحدث نقاش وتحاور بينهم والجمهور، ويكون اللقاء فرصة للتواصل بين المؤلف وقرائه، وقد يطلب بعضهم توقيعاً منه على إنتاجه الجديد كنوع من إظهار التقدير والحب من القارئ للكاتب وهكذا. معرض هذا العام هو مهرجان ثقافي موسع وأزعم أن هذا هو أدق وصف للمعرض، الذي وصفه البعض أنه نسخة معدلة بعض الشيء من فعاليات درب الساعي، باعتبار أن النسبة المعطاة من المساحات لأجهزة حكومية وما شابهها، كبيرة وعلى حساب الجهات الفاعلة الحقيقية والمتمثلة في دور النشر. وأحسبُ أن أيام الموسم الثقافي في قطر تتسع لفعاليات ومهرجانات ثقافية عديدة، وكان بالإمكان أن تكون أياماً منها مخصصة لكل تلك الإضافات الثقافية الجديدة بالمعرض، بما فيها الموسيقية والتشكيلية وما شابهها من فعاليات وبرامج، بحيث يتم المعرض على ما كان عليه منذ سنوات عديدة، بوضوحه وتركيزه البحت على عالم الكتب لا غيره. كان بالإمكان الاستفادة من المساحات الكبيرة التي راحت للديكورات الفرنسية وبعض المقاهي المصاحبة أو حتى وسائل الإعلام، لتكون مساحات مريحة لدور النشر غير المحلية، التي ضاقت على بعضها، فيما أخرى حسب ظني - وأرجو ألا يكون صحيحاً - لم يتم مراعاة جمهورها، وشهرتها فعاشت في الأطراف وما حولها!. النقطة الثالثة تدور حول الجمهور الزائر لمثل هذه النوعية من الفعاليات السنوية، الذي في الغالب يكون متواضعاً مقارنة بمعارض فنية أو ترفيهية أو تجارية. هذا الجمهور، وبسبب الإضافات الجديدة للمعرض هذا العام، يمكن القول إنه تشتت ذهنه وتفرق جهده بين عديد المجالات والأجنحة في المعرض، وعلى حساب الكتاب وما يرتبط به من دور نشر ومؤلفين. كما أن المحاضرات والندوات الكثيرة التي كانت تقام على الهامش، كانت فعلاً هامشية ومشوِشة على الحضور في الوقت ذاته، بغض النظر عن قوة وجدوى موضوعاتها والمتحدثين فيها، باعتبار أن المعرض أساساً للتجول بين الكتب، وانتقاء الجيد والجديد، في جو هادئ مساعد على الاختيار. تنوع الفعاليات على طريقة معرض الدوحة الدولي الأخير، منطقي جداً ونافع في دول ذات الكثافة السكانية الكبيرة، حيث زوار المعارض والفعاليات فيها تقدّر بعشرات الألوف يومياً، وبالتالي هذا التنوع يفيد في تخفيف الضغط على دور النشر ويمنع الازدحام والاكتظاظ. أما عندنا، فإن الألف أو الألفي زائر باليوم، كان يتوزع بين الفعاليات وبين المقاهي والمطاعم، وبسبب ذلك كنت ترى أجنحة ودور نشر عديدة وقد غشى البائعون النعاسَ، إلا ما رحم ربي وقليلٌ ما هم. • في نقطة رابعة أخيرة ولا أود أن تفوتني في هذا السياق، هي توجيه التحية لنشاط دور النشر المحلية وبروزها التدريجي، فهي مع الوقت - بإذن الله - ستزداد خبرة في التعامل مع أجواء المعارض وعالم الكتب والنشر والتأليف، ومع القراء بتنوعاتهم. وستزداد خبرة أيضاً في التعامل مع (المؤلفين) بحيث يبدأ يتجه الإنتاج بعد ذلك نحو الكيف وليس الكم، فالبدايات دوماً صعبة، والأخطاء غالباً يتم غض الطرف عنها إلى حين. ولكن مع الوقت، لابد أن يكون هناك ضوابط لمسألة النشر، ومعايير اختيار كتب نوعية، بحيث يتم ضبط جودة ما يتم ضخه في سوق الكتب. مع كل ما تم ذكره، ومن منطلق (من لا يشكر الناس لا يشكر الله) أود هاهنا في سطر أخير أختم به الحديث، القول بأن هذا الرأي بكل تأكيد، لا يقلل من جهود المنظمين، فلكل مجتهد نصيب. هذه وجهة نظر متابع للحدث، يمكن الأخذ بها كلها أو نصفها أو ربعها أو تجاهلها جلها، فما أردتُ إلا الإصلاح. وجزاكم الله خيراً. و(من صُنِع اليه معروفٌ فقال لفاعله: جزاك اللَّه خيراً فقد أَبلغَ في الثناء) أو كما قال صلى الله عليه وسلم. [email protected]