19 سبتمبر 2025
تسجيلدخول الاتفاق النووي بين إيران والغرب حيز التنفيذ سيكون خطوة مفصلية في العلاقات الإقليمية والدولية التي ستنعكس توازنات جديدة في المنطقة والعالم.العنوان الأساسي للاتفاق النووي ليس منع إيران من امتلاك قنبلة نووية أو صواريخ بالستية.العنوان الضاغط الآن هو رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران واندماج إيران في السوق العالمية، هذا وحده كاف لتتغير النظرة إلى إيران من جانب الغالبية العظمى من الدول الإقليمية والعالمية.رحبت بعض الدول برفع العقوبات عن إيران، ومن هذه الدول تركيا.تركيا كانت على الدوام في السابق المبادرة إلى حل الخلاف بين إيران والغرب حول البرنامج النووي، وبذلت جهودا كبيرة بهذا الخصوص ولاسيَّما في السنوات التي سبقت العام 2011، والجميع يذكرون ما سمي إعلان طهران الذي توصل إليه رئيسا تركيا والبرازيل مع إيران لحل البرنامج النووي، غير أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اعترض على التفاهم المذكور الذي سقط عمليا.عندما توصل الطرفان الإيراني والغربي إلى اتفاق في يوليو الماضي كانت تركيا بين المرحبين به.واليوم كرر المسؤولون الأتراك الموقف نفسه، وزير المالية محمد شيمشيك أكد ذلك، وهذا ما فتح على تحليلات أخرى محورها: هل الاتفاق النووي ورفع العقوبات في مصلحة تركيا أم ضدها؟يكاد يجمع المراقبون الأتراك على أن للاتفاق ورفع العقوبات وجهين: إيجابي وسلبي بالنسبة لتأثيراته على تركيا.المعطى الجديد بين الفترة التي كانت تركيا وسيطا فاعلا بين إيران والغرب والآن هو أن تركيا لم تعد ذلك الوسيط الموثوق به من إيران، فبعد أزمات الربيع العربي اتسعت الهوة بين طهران وأنقرة ورغم أنها حافظت على التواصل السياسي غير أن الخلافات بينهما على الملفات الإقليمية ولاسيَّما في سوريا والعراق بلغت ذروتها وتبادل الطرفان الاتهامات الحادة.وزاد التدخل الروسي في سوريا من حدة الاستقطاب بين إيران وتركيا التي نظرت إلى العلاقة بين إيران وروسيا على أنها حلف يستهدف العديد من الدول ولاسيَّما تركيا، وهذا دفع تركيا إلى التقارب مع السعودية إلى حد ما واتهام إيران باتباع سياسات مذهبية في المنطقة.مع ذلك فيمكن تحديد التأثرات التركية برفع العقوبات عن إيران من زاويتين سياسية واقتصادية.جاء رفع العقوبات على إيران في مرحلة ليست مواتية لتركيا. فالخلاف السياسي مع إيران على أشده ولاسيَّما في سوريا والعراق والمنطقة عموما. وبالتالي فإن أنقرة تشعر بضيق الهامش أمام منافستها في ظل الانفتاح الدولي على إيران. هذا الانفتاح قد لا ينعكس تلقائيا تحسنا في العلاقات بين إيران والغرب والخارج ولكنه يبدأ مسارا جديدا مختلفا عن السابق يضع إيران في موقع مختلف عن السابق بحيث لا تعود دولة منبوذة بل مطلوب التعاون معها كدولة عادية ودولة ذات سوق اقتصادية كبيرة واستثمارات. هذه النظرة إلى إيران تخفف من الضغوط الغربية عليها وتفتح باب التعاون معها لحل المشكلات الإقليمية. هذا سيقلل حتما الاعتماد على تركيا من جانب الغرب. تركيا تبقى حليفا بنيويا للغرب لكن الحاجة إليها لن تبقى كبيرة كما السابق. وربما يكون هذا على حساب المصالح والأهداف السياسية الكبرى في المنطقة في ظل سلطة ترغب في لعب دور مركزي فيها بعد عقود من الانكفاء.أما على الصعيد الاقتصادي فقد استمرت العلاقات الاقتصادية بين تركيا وإيران على امتداد الأعوام الماضية. وتركيا تواجه حاجاتها من النفط والغاز من روسيا ومن إيران. وربما تجد في الغاز الإيراني بديلا عن الروسي في حال توتر الوضع أكثر بين روسيا وتركيا. ونظرا للقرب الجغرافي فإن حتمية الحاجة المتبادلة قائمة بين البلدين. وهنا ربما تكون الشركات التركية أكثر عملانية في الدخول إلى الأسواق الإيرانية من الشركات الغربية. وكون تركيا بلدا مسلما فقد يكون أكثر ملاءمة لإيران إن تتولى تركيا دورا أساسيا في تطوير قطاع الفنادق والسياحة. لذا فإن رفع العقوبات عن إيران سيكون فرصة للاقتصاد التركي على المديين القريب والمتوسط من جهة لكنه سيرتب قلقا كبيرا لها على الصعيد السياسي الإقليمي من جهة أخرى.