11 سبتمبر 2025
تسجيلفي الذكرى الأولى لهجمات السابع من يناير، عادت مجلة "شارلي إيبدو" الفرنسية الساخرة لاستفزاز مشاعر المسلمين من جديد عبر عدد خاص وضعت على غلافه صورة "مسيئة للذات الإلهية"، المجلة طبعت مليون نسخة ووزعت عشرات الآلاف في دول مثل بلجيكا وألمانيا وبريطانيا وإيطاليا وهولندا..إلخ. المجلة الفرنسية اختارت لغلافها رسما لعجوز ملتحٍ يرتدي ملابس ملطخة بالدماء، ومسلحا يحمل بندقية كلاشينكوف، مع عنوان "عام بعد ذلك، القاتل لا يزال طليقا"، في إشارة إلى أنه "الإله"! وتضمن العدد الخاص لشارلي إيبدو رسومات لشارب، وكابو، وتينوس، وولينسكي، رسامي الصحيفة، الذين راحوا ضحية الاعتداء المسلح على هيئة تحريرها، إضافة إلى مساهمات لشخصيات من خارج أسرة التحرير مثل وزيرة الثقافة الفرنسية فلور بيلرين، والنجوم والمثقفين من فرنسا وخارجها. في الذكرى الأولى للاعتداء الإرهابي على مجلة "شارلي إيبدو"، ما هي الانطباعات وما هي الآراء وما هي المشاعر حول المجلة ومفهومها لحرية الصحافة وتعاملها مع الآخر من خلال الكاريكاتير والسخرية وغير ذلك؟ ففي العام الماضي عندما تم الاعتداء على المجلة تضامن الجميع من فرنسا وخارج فرنسا ومن قبل معتنقي مختلف الديانات في العالم وانتشرت عبارة "أنا شارلي" حينذاك. في مطلع هذا العام ظهر شعار آخر "لست شارلي" للتعبير عن الاستياء الكبير الذي عبر عنه الكثير داخل فرنسا وخارجها بسبب استمرار المجلة في الاستهزاء والسخرية والمساس بديانات ومعتقدات الآخرين. فهناك فئة كبيرة من الفرنسيين ومن النخب المثقفة ترى أن السياسة التحريرية للمجلة التي ترفع راية حرية التعبير هي في واقع الأمر سياسة انتقائية أصبحت تزرع ثقافة الإسلاموفوبيا والحقد والضغينة والعنصرية في فرنسا وتعمل جاهدة على تغذية الكراهية وإقصاء الآخر. وقد تجلى هذا الأمر من خلال صورة غلاف المجلة بمناسبة الذكرى الأولى للاعتداء عليها وهي عبارة عن رجل دين في هيئة إرهابي، وبعدها في صورة للطفل إيلان كردي الذي أصبح متحرشا جنسيا. ففي الصورة الأولى نلاحظ المساس بالديانات المختلفة وربطها بالإرهاب الأمر الذي أثار حفيظة رجالات الدين في مختلف أنحاء العالم ومن مختلف الديانات. أما في صورة إيلان الكردي ورغم المنظر المأسوي لبراءة طفل لا يتعدى عمره الثلاث سنوات فإن رسالة المجلة هي المساس بعشرات الآلاف من اللاجئين الذين فروا من ويلات الحروب والأزمات والظلم والبطش والقتل. غلاف مثير جديد اختارته "شارلي إيبدو" لتخليد الذكرى السنوية الأولى للاعتداء عليها الذي أودى بحياة أشهر رساميها وفنانيها يوم السابع من يناير من السنة المنصرمة. المجلة الساخرة والمثيرة للجدل اختارت أن تضرب بقوة من خلال غلاف وضعت عليه صورة رجل بلحية وهو هارب يجسد في نظر الجريدة الرب مع عبارة "القاتل مازال هاربا"، في مقابلة مع قناة بي أف إم التلفزيونية الفرنسية (BFMTV) دافع سوريسو عن صورة غلاف العدد الجديد لشارلي إيبدو ضد الانتقادات، وبالتحديد لانتقاد السياسي المحافظ آلان جوبيه، الذي يرى أن تمثيل "الرب" على أنه إرهابي "ليس أمرا مضحكا". ورد سوريسو قائلا:"لماذا هذه الإثارة، فشيء كهذا كنا نفعله دائما"، وتابع "ريس":"المرء لديه الحق في العيش دون إله، وهذا تقليد في فرنسا منذ فولتير". اجتاحت موجة من الغضب مواقع التواصل الاجتماعي بعد أن نشرت صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية الساخرة رسماً كاريكاتورياً يصور الطفل السوري إيلان كردي صاحب الثلاث سنوات الذي عُثر على جثته في السواحل التركية العام الماضي وقد تحول إلى متحرش جنسي في الكبر. ويصور الكاريكاتير اثنين من الذكور يجريان خلف امرأة مذعورة ويقول التعليق على الصورة "ما هو مصير الشاب إيلان لو كان قد كبر؟، متحرش في ألمانيا". وتلقت السلطات الألمانية أكثر من 600 شكوى بعد اعتداءات جنسية على نساء في مدينة كولونيا ومدن ألمانية أخرى ليلة رأس السنة ألقي باللوم فيها على مهاجرين، الأمر الذي فجر انتقادات لسياسات المستشارة أنجيلا ميركل بشأن اللاجئين. ودخل مئات الآلاف من المهاجرين ألمانيا العام الماضي لتصبح الدولة الأوروبية التي استقبلت أكبر عدد من اللاجئين. ونشر الكاريكاتير بعد مرور أسبوع على ذكرى الهجمات على مقر الصحيفة الأسبوعية في باريس التي أسفرت عن مقتل 12 شخصاً في يناير من العام الماضي، وحينها تبنى مستخدمو الإنترنت عبارة "أنا شارلي" لإبداء التعاطف مع الصحيفة. لكن هذه المرة قال كثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي "لست شارلي" "إن الكاريكاتير مسيء"، بينما قال آخرون "إن شارلي إيبدو تواصل أسلوبها الاستفزازي المعتاد لإثارة النقاش حول المواقف الأوروبية من أزمة المهاجرين". وانتشرت صورة جثة الطفل إيلان وهو يرقد على وجهه على شاطئ تركي في مختلف أنحاء العالم وأثارت موجة من التعاطف حيال محنة اللاجئين الفارين من الحرب والفقر في الشرق الأوسط وإفريقيا. نخلص إلى القول إن مجلة شارلي إيبدو مستمرة في عنادها وسياستها الاستفزازية لاحتقار الأديان والثقافات والحضارات باسم حرية التعبير وباسم السخرية والفكاهة. وحسب تعبير أحدهم فإن المجلة الساخرة تؤمن بأنه لا يوجد شيء مقدس ما عدا حرية التعبير، كما أنها تعابي من فوبيا الدين حيث أن جل رسائلها المتعلقة بالديانات تحمل خطاب عدائي للدين. وبهذه السياسة والرؤية فإن شارلي إيبدو تساهم في نشر وصناعة التطرف. فعندما تتحول حرية التعبير إلى خطاب الكراهية والنيل من الآخر في مناخ ملوث بالعنصرية والخوف من الدين فهذا يعني أن المجتمع أنحرف عن مسار التفاهم والتلاحم والعيش في طمأنينة وأمن وأمان ليصبح فضاء للكراهية والحقد والعنصرية. فالملاحظ اليوم للمجتمع الفرنسي يدرك تصاعد الإسلاموفوبيا التي تنميها خطابات شارلي إيبدو وغيرها، وكذلك اليمين المتطرف من خلال ساسة من أمثال مارين لوبان ونيكولا ساركوزي وغيرهم. وهذا ما جعل الباحث البريطاني آدم دين يقول "الرسومات الكاريكاتيرية لا تعتبر نموذجا من العنف، لكنها مثيرة للاشمئزاز، والغاية منها تغذية الإسلاموفوبيا والتمييز ضد المسلمين في فرنسا واضطهادهم".