01 نوفمبر 2025

تسجيل

بين جدة وشرم الشيخ.. هل تُجار الشعوب العربية؟

23 يناير 2011

تصدرت مدينة جدة السعودية عناوين الأخبار الرئيسية الأسبوع الماضي مرتين, الأولى بسبب الأمطار الكثيفة الغزارة التي هطلت على هذه المدينة التاريخية التي لا تزال تلملم أشلاءها بعد طوفان العام الماضي الذي كشف عن جملة من بؤر الفساد في تنفيذ المشاريع وسوء التخطيط للتجمعات السكانية التي سدت مجاري السيول, أما الحدث الأهم والأكبر هو وصول طائرة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي إلى جدة بعد جملة تكهنات عديدة عن وجهته بعد الهروب الليلي المفاجئ وحيث لم تكن السعودية ضمن تخمينات المتابعين لحدث هروب الرئيس ليلة السبت قبل الماضي "سوى أن الليالي حبلى دائما بكل جديد" لذلك كان السؤال التالي لماذا جدة السعودية بالذات! وهو الاستفهام الأبرز عند كل وسائل الإعلام المتابعة للحدث التونسي خاصة أن السعودية تنتهج مسلك الحيادية دائما تجاه الكثير من الأزمات العربية الداخلية وغيرها, إلا أن الجواب قد جاء لاحقا على لسان سمو وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل عندما قال "إن المستجير يجار" فكانت جدة هي الملاذ الممكن للرئيس المخلوع بعد تعذر وجهات عربية وعالمية أخرى من استقباله, وحقيقة كان خبر وصول بن علي إلى جدة محل استغراب للكثيرين من سعوديين وغيرهم فالرجل يحمل سيرة غير مقبولة شعبيا إثر الأحداث الأخيرة الدامية في بلاده وكذلك ما تناقلته تقنيات الأخبار قبل الأحداث عن نظامه من التضييق على الحريات الفكرية وممارسة الشعائر الدينية وتكتيم الإعلام واستحواذ عائلته بالنفوذ والسلطة على الشعب ومقدراته ومواقفه الشخصية إبان الاحتلال العراقي للكويت عام 1990م والتي أعادت مقر الجامعة العربية إلى موطنها الأساسي في القاهرة بعد سلسلة مواقف مخجلة لأمينها العام آنذاك التونسي الشاذلي القليبي بإملاءات من الرئيس المخلوع الذي انتهج ببلاده رؤية سلبية صنفتها ضمن دول الضد الذي ظلت دولة الكويت ترددها تجاه كل من آزر الاحتلال, وكما للسياسة حساباتها في كل المواقف والظروف يبقى للشعوب رأي أيضا فقد قوبلت استضافة بن علي في جدة بالامتعاض عند السعوديين وربما غالبية أهل الخليج والعرب عند الوهلة الأولى إلا أن مضمون البيان السعودي الرسمي وتصريحات وزير الخارجية السعودي التي مارس فيها سموه دبلوماسيته العريقة منتقيا ألفاظا جيدة وذكية عندما استخدم عبارة "المستجير يجار" معولا على شيم العروبة والرجولة وهي ما طمأنت الغالبية على سلامة فكرة الاستضافة ودواعيها إضافة إلى ما أعقبها من تصريحات تؤكد عدم القبول بممارسة بن علي لأي نشاط سياسي أو نشاطات تحويل أموال إلى المملكة, بن علي والذي يسكن هو ومن تبعه من عائلته الآن أحد قصور الضيافة الملكية في جدة وهو ما أسماه أحد المتابعين بـ"المنفى الذهبي" ربما لما عرف عن جدة بالذات من استقبالات سابقة وكريمة لعدد من الرؤساء الفارين من بلدانهم في ظروف حرجة مماثلة كالرئيس الأوغندي السابق عايدي أمين ورئيس الوزراء الباكستاني السابق نواز شريف وملك اليمن حميد الدين ورئيس الوزراء الليبي أيام الحكم السنوسي مصطفى بن حليم كذلك الرئيس التونسي السابق الحبيب بورقيبة والذي كان هنا أيضا قبل ثورة الاستقلال التونسية, وكان القاسم المشترك بين الجميع من هؤلاء عدم قبول الدولة السعودية المستضيفة إجراء أي نشاط سياسي لهم انطلاقا من أراضيها وهو ما يعطي الإخوة التوانسة الآن الثقة في عدم التأثير من قبل الرئيس المخلوع على مجريات التغيير القائمة هناك على الأقل خلال فترة وجوده في المملكة.وحيث كانت الشرارة الأولى للأزمة التونسية التي لفظت بالرئيس فاراً إلى خارج البلاد ذات بعد اقتصادي محض تمثل في بحث الناس هناك عن قوتهم وشيء من كرامتهم المفقودة بسبب سلسلة ممارسات سابقة للنظام تجرع خلالها السواد الأعظم من التونسيين ذل العيش وظروف الاستحواذ السلطوي ومصادرة الحريات, ولتزامن أحداث تونس مع القمة الاقتصادية العربية التي عقدت في شرم الشيخ كان لابد على القادة المجتمعين هناك آن يدركوا حقيقة الموقف وأبعاده وان يسعوا إلى إعادة صياغة البرامج والخطط الاقتصادية العربية لتفعيل الدور العربي في مجالات التنمية البينية التي ابتعدت بقصور ملحوظ عن احتواء مفهوم العمل العربي المشترك وحاجات الشعوب الأساسية إذ ظلت أرزاق الناس ومواردهم محكومة بالرؤى السياسية المختلفة غالباً والتي همشت منطقتنا كافة عن معايير التنمية المثلى وهمشت في نواتجها التوافقية المطلوبة ضمن معدلات النمو, فمعدل السكان ينمو والحاجات تنمو بمعدل أقل لانصراف مفهوم التنمية العربية بعيداً عن مساره وتبنيه مفهوم العروبة بالكلمات والمؤتمرات فقط دون عمل ناجع يؤمن الاستقرار للجميع ويؤهل دولهم للمستقبل, أعتقد أن حض القمة الاقتصادية العربية الأخيرة من المتابعة الإعلامية كان كثيفا ومن قطاع أوسع بين العامة ربما بحثا من الجميع عن قرارات أكثر عمقا وفائدة تمس حياة العرب وتطور معيشتهم وتلغي حواجز العمل وموانع التجارة والاسترزاق البيني فما شاهدناه في تونس كان مؤثرا وينبئ عن وضع خطير ومماثل في معظم المجتمعات العربية فهل تنبه قادتنا إلى الأمر لتجار الشعوب العربية من ظروفها[email protected]