17 سبتمبر 2025
تسجيلقريباً.. وقريباً جداً.. ويا حسرتاه ينتهي فصل طويل ومديد من تاريخ السودان الموحد والتليد. غداً وا اسفاه يجلس التاريخ القرفصاء وينوح مثل طائر جريح فقد أحد جناحيه، ويسجل في فتور انقسام وطن عتيد.. وتنتفض الجغرافيا من مهجعها الآسر مذعورة وتئن، وتضرب الدفوف، وتشق الجيوب وتنتحب وتصرخ بأعلى صوتها: تبا للسياسة، واللعنة على الظالمين. وغداً.. ويا ويلي تذبل أزاهير الذكرى وتذرف دماً ودمعاً هتناً على مصير بلد لفته الخطوب.. حيث لا يوجد من يغني "لا شمال بلا جنوب" ولم يعد من يترنم: "قطار الجنوب شال المحبوب" ولم نعد نسمع سوى عواء ذئب السهوب بصوته الأجش الذي يفطر القلوب. قريباً.. ينفصل الجنوب بفعل وأفعال الرجال الخاوين.. الذين استسلموا لكيد الكائدين الخؤون.. ورفعوا رايات الانبطاح والانزياح لفخاخ الذئاب، ومخاتلة التعالب، والسعدان، وبنات أوى، وفحيح الثعابين، وزمجرة العقبان والعقارب. نعم انفصل.. انفصل الجنوب.. والصناديد تحولوا إلى صراصير أسيرة في محابسها تنوء بأوزار الدهر، وارزاء الزمان.. ولم يسمع أحد هتافاتهم البالية: لا جنوب بلا شمال ولا شمال بلا جنوب. والصقور نزعت مخالبها واستعارت دعة الحمام وبراءة الحملان، غير مبالية بذلك اليوم الذي يجعل الولدان شيبا والثكالى تواثبن خفافا وثقالا وبكين على انقسام البلاد وأنشدن رثاء فاق في روعته ورصانته مرثية الخنساء لفقد أخيها، وبكائية عائشة التيمورية التي غيبت المنون ابنها البار. إنها الحسرة التي فتتت الحجر الصلد إنها اللوعة التي شطرت القلب المعنى إنها البأساء التي غشيت السودان بغمامة هم وغم.. غم مفعم بالأسى.. وهم موشح بالشجن.. وأضحى انفصال الجنوب ملحمة تفوق الأوديسا والاليازة.. وأمسى المشهد الكئيب: مثلما ينهد صرح من الجبال الشم وتظل اشتات الحديث مغيبات في نياط خصلات الألم.. لقد تم خداعنا جهارا بالوحدة الجاذبة. أين الوحدة التي تبعث في النفوس انفاس الشذى العاطر التي أضعناها في الانفصال المقيت والأكذوبة؟ أين النعيم المقيم الذي فقدناه في الانفصال الاليم؟ حقاً انفصل الجنوب عن الشمال. يا شباب الغد.. لا تشعلوا النيران في أجسادكم الطاهرة لأن البكاء والدموع الحرى ستحرق مدبري المكائد الماكرة.. غداً ينبت في ذات الأرض سودان آخر.. يبدد الظلمة الحالكة.. وتتبرعم ازاهير الأمل، وورود الحب والوجد وتمطر السماء لجينا، وياقوتا، وذهبا، وزمردا، وتزداد الرهافة الروحانية بشراً وسؤددا ويزهو السودانيون بقدراتهم وحصافتهم على صد مؤامرات تفتيت السودان المجيد والسعيد.