10 سبتمبر 2025

تسجيل

القضية الفلسطينية ومعركة الإعلام

22 ديسمبر 2018

«معركتنا مع إسرائيل معركة إعلامية بالدرجة الأولى، وإلى حد الآن يتقن العدو الإسرائيلي اللعبة أحسن منا» جاء هذا الكلام في بداية السبعينيات من القرن الماضي وفي احد اللقاءات الصحفية لمسؤول فلسطيني كبير. وفي صيف 1984 وفي مقر الشبكة التلفزيونية «أي.بي. سي» بالعاصمة الأمريكية واشنطن سألت الصحفي المشهور «ُثاد كوبل» صاحب برنامج «نايت لاين» عن سبب انحياز الإعلام الغربي والأمريكي للصهاينة فأجابني « أنتم العرب لا تجيدون الاتصال ولا تعرفون كيف تدافعون عن القضية الفلسطينية». أين نحن الآن بعد أكثر من ثلاثة عقود من هذه التصريحات، وهل تعلمنا بعد مرور كل هذه المدة من الزمن إتقان اللعبة واختراق الإمبراطوريات الإعلامية العالمية التي تسيطر وتلعب بعقول البشرية حسب ما تمليه عليها مصالحها. وفي محاضرة له في نادي دبي للصحافة بمناسبة الذكرى الأولى للانتفاضة أعلن ياسر عبد ربه وزير الإعلام الفلسطيني حينذاك أن أهم تحد يواجه الانتفاضة هو كسب الرأي العام الدولي وبذلك يتوجب على العرب بناء آلة إعلامية قوية لمواجهة الدعاية الصهيونية. وبهذه المناسبة ذكّر الوزير الحضور بوصية كيسنجر لرابين «بقتل الكاميرات» للتحكم في صورة الانتفاضة الأولى المنقولة للعالم. وبالنسبة لياسر عبد ربه وللسلطة الفلسطينية فإن صراع الكاميرات هو صراع حيوي، إنه الصراع من أجل الرأي العام الدولي، الصراع من أجل كشف الحقيقة وتقديمها كما هي للعالم بأسره. صراع يخترق التزييف والتضليل ويخترق الآلة الدعائية الصهيونية التي ما زالت تتحكم في عقول البشر في جميع أنحاء المعمورة عن طريق شبكاتها الإعلامية المنتشرة في ربوع العالم. هل استطاعت صور الأطفال الفلسطينيين الأبرياء أن تصل إلى عقول الناس بكل معانيها ودلالاتها؟ هل استطاعت وسائل الإعلام العربية أن تنقل الوقائع والحقائق إلى الرأي العام الدولي؟ أم أن الإمبراطوريات الإعلامية العالمية قالت كلمتها وقدمت للعالم ما كان يتناسب مع أهدافها ومصالحها؟ رهان الرأي العام الدولي مهم جدا واستراتيجي نظرا للدور الذي يلعبه في صناعة القرار وفي رؤية الآخرين لنا. تقرير المفوضة السامية لحقوق الإنسان بالأمم المتحدة «ماري روبنسون» عن الانتفاضة الأولى وعما يجري في فلسطين جاء شديد اللهجة ضد الممارسات الوحشية للكيان الصهيوني وجيشه المدجج بالأسلحة، من جهة أخرى نشر المعهد الدولي للصحافة في فيينا تقريرا فضح فيه الاعتداءات المتكررة للجيش الإسرائيلي والمستوطنين الإسرائيليين على الصحفيين والمراسلين الذين يقومون بتغطية الانتفاضة. وجاء في التقرير أنه تم إطلاق الرصاص على 18 صحفيا والاعتداء على ثمانية إعلاميين وتعطيل ثلاث محطات فلسطينية للبث من جراء تخريبها من قبل الجيش الإسرائيلي بالصواريخ. أما وسائل الإعلام الإسرائيلية فإنها تقوم منذ انطلاق الانتفاضة بحملة تضليل وتشويه وتزييف منظمة وتنقل إلى العالم المطالب الشرعية للشعب الفلسطيني على أنها « مشاغبات واعتداءات واضطرابات فلسطينية على الجنود والمدنيين الإسرائيليين» وهذا استعداد للإعلان عن الدولة الفلسطينية. في ظل هذا التزييف والتشويه والتغطية السلبية للعرب من قبل الإعلام الغربي وغياب الضمير المهني والمسؤولية الإعلامية نلاحظ أزمة في الإعلام العربي تتمثل في عملية تسويق صورة إيجابية وصورة تصحح هذا الخلل. فالإعلام العربي لم يحدد استراتيجية يستطيع من خلالها تقويم هذا الخطأ وتقديم البديل أو البدائل للرأي العام الغربي والدولي. فالصناعات الإعلامية والثقافية العربية مازالت ضعيفة جدا لم ترق إلى العالمية ولم تعرف كيف توظف اللغات العالمية للوصول إلى الآخرين. والإعلام العربي كما لا يخفى على أحد يتخبط في دوامة من المشاكل والضغوط قد لا تؤهله للقيام بدور فعال على الصعيد الدولي، أضف إلى ذلك أن الأنظمة العربية ركزّت جهودها في استخدام الإعلام كوسيلة للسلطة وتثبيت الشرعية والتحكم والمراقبة، ولم تول أي اهتمام للبعد الخارجي أو الدولي والذي يعتبر بعدا استراتيجيا في فهم وتعامل الآخرين معنا. الانتفاضات الفلسطينية المتتالية ورغم حجم الخسائر البشرية ورغم الخسائر المادية الكبيرة ورغم الصور التي أدمت الأفئدة والقلوب رغم كل هذا فإنها فشلت في الوصول إلى الرأي العام الدولي حيث نجد اللوبي الصهيوني متغلغلا في كواليس الحكم والسياسة ومتحكما في أجهزة الإعلام وفي مراكز صناعة القرار. ففي فرنسا مثلا تحرك اللوبي الصهيوني بسرعة فائقة لإسكات وسائل الإعلام الفرنسية التي تعاطفت مع الانتفاضة في الأيام الأولى من عمرها ثم تراجعت بعد ذلك تراجعا مذهلا وتبنت بعد ذلك الآراء والأطروحات الإسرائيلية في القضية. ورغم أننا في عصر تكنولوجيا الاتصال والإعلام الرقمي إلا أن العالم العربي ما زال لا يتقن مهارات مخاطبة الرأي العام العالمي. فالانتفاضة لو تم تسويقها إعلاميا بطريقة جيدة ومهنية لكان من الممكن تغيير أفكار وآراء كثيرة حول ما يجري في فلسطين وفي الشرق الأوسط، فالصور النمطية والصور المزيفة والمشوهة لا نستطيع تغييرها إلا بتقديم الحقائق والأدلة بلغة الإعلام العصرية وبتكنولوجية العصر، ومع الأسف الشديد وبعد مرور أكثر من قرن من الزمن مازال الصهاينة يجيدون لعبة الإعلام ونحن العرب ما زلنا لم نتعلم الدرس، وهكذا أصبح الظالم مظلوما وأصبح البريء هو الجاني وأصبحت أرواح ثلاثة صهاينة إسرائيليين غزاة أهم بكثير من أرواح مئات الشهداء الفلسطينيين، نسبة معتبرة منهم من الأطفال الأبرياء، ماتوا من أجل أرضهم وشرفهم وبلدهم. معركة القرن الحادي والعشرين ستكون معركة إعلامية اتصالية معلوماتية يحسم نتيجتها مسبقا من يعرف كيف يستغل تكنولوجيا الإعلام والاتصال وصناعة المعرفة. نتمنى للآلة الإعلامية العربية أن تكون في مستوى تضحيات أطفال الحجارة بحيث تستطيع بلغة العصر وبطريقة منهجية واستراتيجية أن تقدم الحقائق للرأي العام الدولي وتكّذب الأساطير المؤسسة للكيان الصهيوني. العمل إذن، يتطلب استمرارية في العمل وتخطيطا وبرمجة وليس التفاعل مع المناسبات والانتفاضات فقط. فالأمر إذن، يحتاج إلى عمل منهجي استراتيجي مستمر ودائم حتى تصل صورة الأطفال الأبرياء مثل «محمد الدرة» و»إيمان حجو» إلى الرأي العام العالمي وبذلك سنكسب الرهان، بحول الله وسنكسب الحرب الإعلامية التي تعتبر أهم وأخطر من القنابل والمدافع والمدرعات.