20 سبتمبر 2025

تسجيل

في ذكرى انطلاقتها .. حماس بين واقعيتين

22 ديسمبر 2011

في الذكرى الرابعة والعشرين لانطلاقة حماس وإذ يهتم المراقبون والمحللون بقراءة الخريطة السياسية الفلسطينية لتحديد مكان ومكانة حماس من تلك المعادلة وينطلقون من ذلك إلى استشراف المستقبل ؛ فإن الحديث يتجه غالبا إلى التحولات الاستراتيجية التي طرأت على القضية الفلسطينية بعد حضور حماس في المشهد الفلسطيني بصورتها الحالية كمقاومة مسلحة ومتعمقة في ذات الوجود الفلسطيني الفكري والسياسي والخيري والاجتماعي وما ترتب على هذا الوجود من تحولات هي أوجدتها أو تسببت فيها أو راكمت عليها.. ما يكتب عن حماس في هذا الخضم وسواء كان مآخذ عليها في نظر البعض أو إشادة في نظر البعض الآخر هو في المحصلة اعتراف بوجودها ومكانها ومكانتها وأثرها ومركزيتها في المشهد الفلسطيني .. الحديث عن حماس في هذه المناسبة وبهذا المنطق هو أمر طبيعي وخصوصا في مناسبة ذكرى انطلاقتها.. ولكن ما يلفت الانتباه هذه المرة ما طرحه البعض من رؤية - وهي معروفة ومعروضة من القديم - وفحواها أن على حماس أن تكون أكثر واقعية وأكثر براغماتية " كما الإخوان المسلمون في بلاد ثورات الربيع العربي " للتوافق مع شركائها في الوطن " فتح والسلطة " فالإخوان المسلمون – حسب هذه الرؤية - وهم الجذر السياسي والفكري لحماس قبلوا بما أبرمته حكومات ما قبل الثورة من اتفاقات ومعاهدات ومن مقتضى علاقات دولية وإقليمية.. يقول هؤلاء : وكل المطلوب من حماس أن تسكت على أمور وأن تداهن على غيرها حتى لو احتفظت بموقف رافض لشيء ما ، وأن تعارض أمورا أخرى ولكن بطريقة سلمية حوارية ، وأن تقبل بأمور أخرى لم يعد من الممكن التخلي أو التراجع عنها .. ثم يقولون وهذا كفيل بإحراج العدو ونزع ذرائعه وبإتمام المصالحة وتدشين وطنية تكاملية بين الاتجاهات التي توالي السلطة والأخرى التي تعارضها .. وأقول : الإنشاء اللغوي في هذا النوع من الحديث النظري والأخلاقي والتعميمي سهل ، ويستطيعه كل متأمل متفرغ لكن الأصعب والأكثر تعقيدا هو ما يتعلق به من واقع ومن وقائع ومستلزمات .. والحالة الفلسطينية ليست مشابهة لأي من حالات الربيع العربي .. فدول هذا الربيع وغيرها مما هي في مهب التغييرات هي دول غير محتلة وما عقدته نظمها من اتفاقات هو تاريخيا مسؤولية تلك النظم ، والمعارضات الإسلامية أو غير الإسلامية فيها ليست لها قدرة حقيقية على تغيير الوقائع المفروضة ، وهي محكومة بحدود وحجم الهوامش المسموح بها .. في حين أن حماس في فلسطين هي حركة مقاومة ، وهي سابقة على وجود السلطة ، وهي قادرة على التغيير ، والسلطة لا تملك لا دستوريا ولا وطنيا ولا وجاهيا حق عقد الاتفاقات التي ألزمت نفسها بها وحشرت نفسها تحت سقوفها .. أما الحالة السياسية والقانونية لفلسطين فهي تحت الاحتلال ما يعني أن قوانين الثورة هي التي يجب أن تحكم وأن يتحاكم إليها .. أما مسألة الواقعية السياسية والبراجماتية التي يريدونها من حماس ومن المقاومة فلنا أن نتساءل حولها , أولا عن مفهوم هذه الواقعية لنرى إن كان على حماس أو سواها من قوى المقاومة أن تنصاع لها بأي سبب وتحت أي ظرف, وهل الواقعية هي التنازل عن فلسطين الـ48 أم التنازل عما اقتطعته وتقتطعه المستوطنات من الضفة ؟ أم القبول بعملية تسوية عدمية وغير متناهية وبدون مرجعيات ولا آفاق بكل المقاييس ؟ أم القبول بالتنسيق الأمني لملاحقة المقاومة وبناها التحتية ؟ أم السماح لقوات الاحتلال أن تشمر الأرض – غزة خاصة – من شرقها إلى غربها إلى شمالها إلى جنوبها وبالعكس ، وأن تحرق المساجد ، وأن تخرب الزرع وتهلك الحرث والنسل .. دون مانع ودون مقاومة ؟ فإن كانت هذه المطلوبات هي المراد بالواقعية فهي ذات مشروع السلطة في أبأس وأبخس صورها ولقد سمعت بعض من كانوا في دواخل السلطة وأركانها يرفضون ذلك ، أما إن لم تكن هي المطلوبات, فما الذي يؤخذ على المقاومة إذن ؟ وإذا كنا نتكلم عن الواقعية السياسية فلماذا يتجاهل البعض واقعية أن حماس لها برنامج مختلف ، وأنها حققت ببرنامجها هذا إنجازات ما كانت لتتحقق بدون هذا البرنامج ؟ ولو أن حماس أخذت بالواقعية التي تؤمن بها السلطة في مسألة الأسرى وقامت بإرجاع شاليط منذ اللحظة الأولى أو لم تأسره ابتداء كما المائتي حالة من المستوطنين الذين كانت السلطة تستضيفهم إذ يخطئون الطريق ويدخلون في فم الأسد ثم تعيدهم معززين ومكرمين وبدون عنت أو مشقة أو تبادل .. أقول لو أن حماس أخذت بهذه " الواقعية " هل كانت حررت الألف وخمسة وسبعين أسيرا أكثر من نصفهم ذوي محكوميات عالية ، وأكثر من ثلثهم أصحاب مؤبدات يصل بعضها إلى ألف وتسعمائة سنة .. ولو أنها أخذت بهذه الواقعية هل كانت ستحمي غزة وترسم كل هذه البطولات ؟ وهل كانت ستصمد تحت الحصار خمس سنوات عجاف أكلن السمان قبلهن ؟ وقبل ذلك هل كانت ستنطلق أصلا في 1987 - مع الانتفاضة الأولى – كثورة على البؤس والتردي الذي كانت تعاني منه القضية ؟ الذين يتحدثون عن الواقعية لا يرون تنظيمات المستوطنين المدعومين من الاحتلال وهم يقومون – اليوم - بحرق المساجد وسيارات المواطنين الفلسطينيين ودهس الأطفال وتخريب الزيتون والتنقل بين القرى والمدن يخربون ويخوفون ويفسدون دون رادع ولا وازع .. هؤلاء المستوطنون هم أنفسهم كان أكثر من نصفهم ( 270000 ) ألف يتسابقون بسبب المقاومة وعملياتها النوعية في الانتفاضة الثانية على أبواب السفارات الغربية بحثا عن الهجرة من فلسطين لا إليها .. الذين يتحدثون عن الواقعية السياسية لا يفطنون إلى أن غزة صار لها واقع جديد بالمقاومة وصارت فيها حكومة مقاومة وجيش مقاومة وأجهزة أمن مقاومة تعدادهم عشرات الآلاف ، فما فتوى دعاة الواقعية السياسية في كل هؤلاء ؟ وهل على حماس والمقاومة أن تكون واقعية إلى درجة أن تقبل بأن يحكم غزة ضابط صهيوني برتبة عقيد ليصول فيها ويجول ما يشاء ووقتما يريد كما كانت يوم حكمها دحلان وأبو شباك والمشهراوي ؟ آخر القول : الذين يطالبون حماس بالواقعية السياسية التي تعني الاندماج في برنامج السلطة أو التماثل معه هم لا يفهمون الواقعية التي يتحدثون عنها ، وعليهم أن يتذكروا أنها – حماس - قامت أساسا لا كمعارضة لبرنامج السلطة أو فتح ولكن بديلا عنه – عن البرنامج فقط - وعليهم أن يروا ما استجد من وقائع سياسية بوجود حماس وبعد وجودها .. بتعبير آخر : عليهم " هم " أن يكونوا واقعيين ..