13 سبتمبر 2025
تسجيلإن ممارسات الكيان الصهيوني تجعله مصبا لكراهية شعوب العالم حتى في الدول التي كانت تصنف تاريخيا كحلفاء إستراتيجيين له (يشير إلى ذلك استطلاع الرأي الذي أجرته أخيرا مؤسسة " آفاز " في بريطانيا وفرنسا وألمانيا وإسبانيا ونشرت نتائجه صحيفة الجارديان البريطانية "، فعندما يصير الإنسان - كإنسان - لا يساوي لدى الكيان أكثر من الرصاصة أو القذيفة التي تقتله، فإن العالم - المحب منه والمبغض - سيراه غاية التهرؤ الأخلاقي الذي لا تبرره الحروب حتى المقدسة منها ولأجل منع هذه الدموية التي برزت كثيرا في الحرب العالمية الثانية فقد جاءت مواثيق حقوق الإنسان صريحة ومنضبطة في ذلك. الكيان الصهيوني وإذ هو يخسر مبرر وجوده القانوني والأخلاقي كما نرى فهو يتقدم بسرعة إلى حتفه ونهايته.. ليس بالضرورة أن يتحقق ذلك اليوم أو غدا فلربما تسعفه القوة المادية والدعم الغربي الرسمي – الأمريكي والبريطاني والفرنسي تحديدا - لكن؛ وكما هو معروف، فالقوة العسكرية والمادية والاتكاء على الآخرين ليست هي العامل الوحيد في قيام الدول أو موتها.. ولقد تفكك وسقط الاتحاد السوفييتي ثم زال وهو يمتلك عشرات آلاف الرؤوس النووية، وفي التاريخ القديم زالت إمبراطوريتا فارس والروم خلال سنوات لا تزيد على عشر.. ومن عجيب القدر أن زوال هاتين الإمبراطوريتين كان على يد القلة المسلمة .. فإن كان السؤال؛ ما المطلوب وما الممكن؟ فأقول: أولا: مطلوب ابتداء الحيطة والحذر من أن تخرج غزة عمليا من الثورة بالتهدئة الطويلة الأمد التي يسعى إليها العدو ؛ ففلسطين ليست غزة فقط، والشعب الفلسطيني يبني آمالا وطموحات كثيرة وكبيرة على غزة ومقاومتها بالأخص بعد هذا الذي رأيناه من قدرات ومبادرات.. هذا المحدد لا بد أن تأخذه حماس وقوى المقاومة بنظر الاعتبار وهي تقرر ما تقبل وما لا تقبل وما تشترط لأي اتفاق تهدئة وما تدفن فيه من مكامن أمنية وسياسية.. ثانيا: وأيضا قبل الحديث عن المطلوب والممكن؛ لا بد من تذكر أن الحالة العربية والإقليمية باتت يمكن التعويل عليها للقيام بدور فاعل وحقيقي وصارت لدينا نظم عربية ثورية وطنية ولها مكانة دولية وإقليمية واستحقاقات قانونية وعلاقات دبلوماسية يمكن استثمارها كمصر وليبيا وتونس واليمن.. ودول أخرى داعمة أساسا لمعسكر المقاومة كقطر وتركيا والسودان وإيران.. ثالثا: أما الممكن بل الواجب فكثير ومنه على سبيل المثال وبما يحضر الذهن في هذه اللحظة: 1- تسليح المقاومة علنا وسرا؛ بالأخص إذا كانت الأسلحة نوعية لمواجهة الدروع والطيران الحربي فقد أثبتت المقاومة أنها غير هيابة بقدر ما أثبتت الأحداث اليوم إمكانية ضرب تل أبيب والقدس الغربية والمستوطنات.. كما أن الأحداث أثبتت أن العالم يتقبل هذه المقاومة كحق طبيعي للشعب الفلسطيني. 2- من المجدي التوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة بطلب لإعادة النظر في إمكانية إنتاج قرار أممي تاريخي بإدانة الصهيونية وتجريمها ويستعيد قرارا سابقا دمغها بالعنصرية وكان قد صدر في نوفمبر 1975 تحت رقم 3379، والذي - للأسف - نجح " العدو " عام 1991 بدعم غربي وتقصير عربي في إلغائه.. هذا القرار لم يُلغ بسبب تخلي الصهيونية عن عنصريتها، ولكن نتيجة تغير الظروف التي أتاحت إصداره. 3- أن تحافظ المقاومة على عنصر الردع وألا تظهر الحرص المبالغ فيه على عدم التوتير أو الاكتفاء والانكفاء على المعادلات الداخلية.. يحضرني هنا ما ورد في سبب نزول قوله تعالى: (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة)، وأن الهلاك الذي تحذر منه الآية هو الانشغال بالزرع والضرع والدنيا.. فالصمود والاستعداد للتضحية والبروز بمظهر المغامرة هو ما يجب أن يميز الثورة كما كل الثورات التي واجهت مستعمرين أقوى منها.. وإن أخطر ما يمكن أن تقع فيه المقاومة من خطأ هو أن يفهم العدو أنها فقدت سلاح المغامرة، وأنها لم تعد مستعدة لتقديم الخسارات الكبيرة، وأنها صارت تحسب الحسابات السياسية كما الدول والنظم الرسمية. 4- أن يعمل الشعب الفلسطيني – وبالأخص المقاومة – في المساحات المشتركة مع كل من يدعمها ولكن بشرطين؛ الأول: ألا تسيس هذه الدعوم وهو ما حافظت عليه حماس - على الأقل - بدليل أنها لم تستجب لإيران وسوريا في أهوائهما السياسية والدموية والطائفية مهما دعمتاها.. والشرط الثاني: عدم نسيان أو تجاهل المربع الإستراتيجي الذي ينتمي إليه من يرغب في دعم المقاومة فلا تمكن في هذا السياق التسوية مثلا إيران – أيا كان الخلاف معها - وأمريكا وبريطانيا. 5- عدم انجرار المقاومة إلى ولاءات داخل مربع غيرها بمعنى ألا تفقد استقلال قرارها وفي هذا يستوي أمام الشعب الفلسطيني التشيع والقومية والعلمانية والاتجاهات الليبرالية والتسووية.. 6- تحكيم قاعدة " الضرورات تبيح المحظورات " بطريقة واعية وموضوعية بعيدا عما يراه الجبان ضرورة ويراه المتهور بطولة.. التحكيم هنا لوصف الضرورة بإقرار المعتدلين من أهل العلم وأهل الحل والعقد والمخلصين للمقاومة.. 7- أن يتنبه الشعب الفلسطيني ومقاومته إلى أن دورانه مع الحلفاء والداعمين هو فقط المساحات المشتركة بينهم دون الولوج لتبايناتهم وتناقضاتهم لأن ذلك أغرق منظمات وتنظيمات سابقة حتى فقدت البوصلة الوطنية. 8- العمل على إطلاق انتفاضة ثالثة في الضفة الغربية - وقد باتت كل مؤهلاتها ماثلة؛ الانغلاق السياسي، والضغط الاقتصادي، واستكلاب المستوطنين، والبيئة السياسية من حولنا.. هذه الانتفاضة صارت ممكنة وهي المعول عليه أن يقلب كل الحالة المتهرئة والعاجزة التي تمر بها القضية.. 9- إصلاح الحالة الفلسطينية بإرادة حقيقية وجهود جدية بما في ذلك كل عناوين هذه الحالة؛ المنظمة، والانقسام، والانتخابات، والتفاهمات الداخلية، والمقاومة بكل صورها، والحشد الفلسطيني الشعبي والرسمي والحزبي.. وكل ذلك على قاعدة بأن الخارطة السياسية والفكرية والفصائلية تغيرت كثيرا ما بين حالة الانطلاق وحالة الوصول وعلى قاعدة أن عملية التسوية وتجربة السلطة قد باءتا بالفشل. 10 - تطوير وإنضاج فكرة الزحف الشعبي إلى حدود فلسطين التي شاهدنا باكورتها في ذكرى يوم الأرض الماضي.. صحيح أن الفكرة لم تصل أفقها ومخططها في ذلك الوقت وسقوط العشرات بين شهيد وجريح قد يبدو ثمنا غاليا بالنظر للعائد السياسي والميداني؛ لكن الفكرة كفكرة رائدة ومن بعدها سيكون المستقبل طموحا ومختلفا.. ولك أن تتخيل الثمار إذا نجحت فكرة اجتياح مئات الآلاف من كل الجهات لحدود الكيان.. بالتأكيد سيعفي ذلك الجيوش الرسمية مما لم تستطعه حتى الآن. آخر القول: إن على المثقفين والكتاب والمفكرين والنخب والأحزاب الفاعلة وعلى الجامعات والإعلاميين وعلى أهل الحل والعقد في الأمة أن يجتهدوا في بناء إستراتيجية مواجهة جديدة باتت تتطلبها المرحلة ورؤية النظم الثورية الجديدة؛ إستراتيجية تقوم على " الواقع الحالي كقاعدة انطلاق، وتطوير الممكن وصولا للمعركة الكبرى والتحرير في المستقبل كنقطة وصول"، إستراتيجية تحمل في طياتها كل أبعاد ومؤهلات النصر والحشد السياسية والاقتصادية والفكرية والإعلامية والعسكرية.. وهو ما حاولت تلمسه في هذا المقال.