07 أكتوبر 2025
تسجيلكلنا ربما تابع بشغف قصة العجوز الفرنسية "صوفية"، التي طغى اسمها وخبرها على الإعلام العربي والإسلامي والفرنسي خلال الأيام العشرة المنصرمة. حيث كانت محتجزة في دولة مالي الإفريقية ثلاث سنوات، وكانت حينها نصرانية، حتى تدخلت فرنسا، عبر رئيسها المأزوم ماكرون، لإطلاق سراحها وإعداد استقبال يليق بجهودها التي ذهبت من أجلها إلى دولة مالي. لكن كانت المفاجأة أن رجعت إلى وطنها مسلمة، وقد غيرت اسمها إلى مريم، في وقت كان يبحث ماكرون عن أي حدث يسنده في محاولاته المتكررة والمتنوعة لشيطنة هذا الدين وأتباعه، فكان التدبير الإلهي أن ترجع صوفيا أو مريم إلى ديارها مسلمة دون أن يُكرهها أحد على ذلك، وينشر الإعلام الفرنسي خبر وصولها وهي بلباسها الإسلامي، لتضع الرئيس في حرج بالغ أمام شعبه والعالم !. تساءل كثيرون عن الذي يدفع بعجوز مثلها في الأسر، أن تغير معتقدها ودينها وفي بلد فقير مثل دولة مالي؟ إن جل ما كان يفكر فيه الآسرون هو أخذها رهينة تفيدهم في مفاوضاتهم المستقبلية مع فرنسا، المتورطة في حروب علنية وخفية ولسنوات في هذه الدولة، لكن تغيير عقيدتها وتحولها للإسلام لا شك أنه لن يفيدهم بقدر ما تكون الفائدة لها فقط. الشاهد من القصة أنها أسلمت، دون أن يتم إكراهها على الإسلام، بل دخلت هي طواعية بحسب تصريحاتها، بعدما رأت من أخلاق المسلمين في مالي ما يدعوها للإسلام.. وهناك من القصص الشبيهة الكثير الكثير. لا إكراه في الدين نعم "لا إكراه في الدين قد تبين الرشدُ من الغي".. آية من الأيات القرآنية العظيمة، والقرآن كله عظيم كريم. ذهب المفسرون لهذه الآية، الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار، أنها تفيد النهي عن إجبار وإكراه الغير على معتقد معين بشكل عام، وهاهنا النهي عن جبر غير المسلمين لدخول الإسلام. فالأصل عندنا ألا نجبر أو نُكره أحداً على اعتناق دين الإسلام، وإنما نقدم له الدين بشكل واضح سهل محبب للنفس، فإن كانت قبلت تلك النفس هذا الدين، فهو مرحب بها، وإن لم تقبله، فلا نشدد عليها ونخوفها، بل ندعو لها بالهداية، فإنك لن تهدي من أحببت، ولكن الله يهدي من يشاء. تلك من أبسط المفاهيم والبدهيات الأساسية في ديننا، والمفترض أنها واضحة لكل داعية. لماذا لا نحتاج أن نجبر غيرنا لدخول ديننا؟ بعد مجيء خاتم الأنبياء عليه الصلاة والسلام، وبيان الحق من الباطل عبر دين الإسلام الشامل الموحد لجميع الأديان السماوية السابقة، فقد تبين لنا أولاً وكذلك للعالمين أجمع، الفرق بين الرشد، الذي تمثل في الإسلام، والغي المتمثل في الوثنية بجميع تنوعاتها وأديانها. وهذا البيان أو حقيقة الفرق بين الرشد والغي، تدعو كل ذي لب وبصيرة أن يتأمل حقيقة وجود الإنسان على هذه الأرض والهدف من حياته، ويتدبر تلك المعاني في هدوء وسلام. إن ذلك السلام الباعث على الطمأنينة، لا شك له تأثيره البالغ على النفس الإنسانية المفطورة على حب الخير، والتي لن تختار سوى ما يرضي ربها، ما لم تتعرض للضغوطات والإكراهات، وهذا هو نهجنا في عرض ودعوة غيرنا إلى ديننا. الدين الواضح ديننا واضح يفهمه من يرغب صادقاً في الفهم. أما المترفع والمكابر الجاحد، الذي يرفض أي حقيقة من حقائق هذا الدين، وإن تبين له تمام البيان والوضوح، فهذا ليس عليك إجباره وإكراهه على الدين، وتبديد وقتك وجهدك سدى، حتى وإن كنت أنت المسيطر الغالب على أمره. لماذا؟ لأنك لن تقدر على ذلك أبداً، مصداقاً لقوله تعالى في الآية الكريمة (ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين ). الهداية من عند الله، أما نحن فعلينا البلاغ بأجمل الوسائل واتخاذ أرقى الأسباب. لم يكن هناك في تاريخنا من هو أشرس من الفاروق عمر، أو بعض شخصيات الإسلام العظيمة الأخرى أمثال: خالد بن الوليد وعمرو بن العاص وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو وغيرهم كثير، ممن عاندوا الإسلام بداية الأمر، بل آذوا أتباعه أشد الإيذاء، ولم يتصد لهم أحد من المسلمين، بل لم يجبرهم أحدٌ على الدين الجديد. لكنهم بعد حين من الدهر لم يطل كثيراً، وجدتهم يقبلون على الدين طواعية، والندم يسيطر عليهم بسبب ما فاتهم الكثير الكثير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومع ذلك التأسف والندم لم يدخل اليأس قلوبهم لينقلبوا على أعقابهم خاسرين، بل دفعهم ذلك الندم بعد استشعار حقيقة هذا الدين، إلى الإيمان بالله ودخول الإسلام، بل ويحسن إسلامهم سريعاً حتى صاروا قادة ورموزاً عظاماً لهذا الدين وإلى يوم الدين. لب الحديث نجد البعض منا اليوم، وبدوافع طيبة ونيات حسنة ومن حيث يدري أو لا يدري، يقوم بنشر الدين وتبليغه وشرحه للآخرين، لكنه يسيء استخدام الوسائل، أو لا يُحسن طريقة العرض بالتي هي أحسن، فتكون النتائج عكسية سلبية. وواقع الأحداث اليوم يفيد بأننا نتحمل جزءاً من مسؤولية الصورة الذهنية المشوهة المشوشة لهذا الدين عند كثيرين، وهو ما يدعونا إلى أهمية الرفق في الدعوة، والجدال بالتي هي أحسن إن اقتضى الأمر، سواء بين بعضنا البعض أو مع غيرنا من أبناء الملل والنحل الأخرى.. والله بكل جميل كفيل، وهو حسبنا ونعم الوكيل. [email protected]