04 نوفمبر 2025

تسجيل

تدمير مكامن القوة

22 أكتوبر 2016

نذر الحرب العالمية الثالثة تبدو جلية وأصوات طبولها تتناهى إلى المسامع، وجحافل المتصارعين تلج مزمجرة منطقتنا ومازلنا في نومنا نغطّ لا نسمع ولا نرى وفي رمال السياسة المتحركة ندس رؤسنا.. والحرب أولها كلام والدعاية السياسية اليوم تحرك الآليات الإعلامية شرقا وغربا.. وسوريا اليوم تعتمل فيها الشرارة الأولى.. واشنطن تهدد وتتوعد وموسكو تتحدى وتذهب بعيدا حين تلوح محذرة باستخدام السلاح النووي.. وماذا بعد النووي يا ويح قلبي؟ قرن من الزمان مضى ونحن ندمن التبعية والانقياد، فلا ظهرا أبقينا ولا أرضا قطعنا.. واليوم ننتظر كطفل غرير جحيم الحرب التي حسم المتصارعون أمر نقطة ارتكازها.. من سوريا تنطلق الشرارة لتحرق شعوبنا التي ظلت تنكوي بحريق الجهل والتخلف عن ركب الأمم.. منذ أن استعمرونا قبل 100 عام وقسموا بلادنا باتفاقية سايكس بيكو التي مهدت لقيام الكيان الصهيوني في أرض فلسطين ونحن لخططهم منقادون ولنزواتهم خاضعون.بنظرة سريعة لمجهودات الجامعة العربية – على سبيل المثال - بشأن قضايا الوطن العربي منذ تأسيسها في 22 مارس 1945، نجد مدى تواضع هذه المجهودات بل إن دورها في ضمور واضمحلال مستمرين. ففي هذا الإطار الزمني توسطت الجامعة في 12 من أصل 20 من الأزمات الإقليمية. كما تدخلت في 5 فقط من 22 حربا أهلية رئيسية. مع الإشارة بشكل خاص إلى أن الجامعة تقف اليوم عاجزة عن أي فعل إيجابي تجاه ما يحدث اليوم في العراق وسوريا واليمن وليبيا.. حتى هذا الجهد الضئيل لم يعد ممكنا اليوم.ليس الضعف والهزال من فقر مادي ولا من ضمور الموارد الطبيعية ولكنه عجز معنوي وخواء روحي؛ فقد جعل قومي القرآن مهجورا.. وعلم من قبل المستعمر سر القرآن وتأثيره فكان هدفا استراتيجيا، فأعدوا له ما استطاعوا من قوة تدميرية.. وشهد شاهد من أهل الغرب في كتاب "الإسلام الثوري" بأن الإنجليز والفرنسيين عندما انهارت دولة الخلافة العثمانية وورثوها كمحتلين قاموا مشتركين بعمل دراسة عن سبب قوة الإنسان أو الفرد المسلم وقد مكنت هذه القوة الجبارة المسلمين من غزو العالم من المحيط الأطلسي إلى فيينا وضواحي باريس إلى الهند وأدغال إفريقيا.فماذا وجدوا؟ وجدوا أن الطفل المسلم من عمر 3 سنوات إلى 6 سنوات يذهب إلى الكتاب ويحفظ القرآن وبعد أن يحفظ القرآن من 6 - 7 سنوات يدرس ألفية ابن مالك وهي 1000 بيت شعر والتي بها كل قواعد اللغة العربية الفصحى. إذا كان هناك طفل عمره 7 سنوات وهذه محصلته اللغوية فهو طفل ليس عاديا بالنسبة لنظيره في البلاد الأخرى، بل هو طفل بعقل جبار وذكاء خارق حيث إن عدد كلمات القرآن حسب تفسير ابن كثير هي سبعة وسبعون ألفا وأربعمائة وتسع وثلاثون كلمة. وخلص الإنجليز والفرنسيون في تلك الدراسة المشتركة إلى أن سبب قوة الفرد المسلم الجبارة هي القرآن وكتاتيب تحفيظ القرآن. فقامت فرنسا بإلغاء الكتاتيب في الدول الإفريقية والعربية التي كانت تحتلها.في حقبة الثمانينيات من القرن الماضي بث تلفزيون هيئة الإذاعة البريطانية BBC برنامجا عن خلوة سودانية ريفية وهي مكان تحفيظ القرآن الكريم، وهي تعاني من بؤس المعاش وسوء التغذية، بينما تجري محاورة في قرية أخرى ومنازعة داخل أسرة بين أفرادها وجيرانها حول مصير ابنهم لو ابتعث إلى تلك الخلوة: أي وظيفة سيشغلها سوى تلك التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وهي على كل حال عندهم متدنية، وقد كانت المدارس يومئذٍ من القلة بحيث تحقق لخريجيها فرصة العمل كموظفين في دواوين الحكومة.