27 أكتوبر 2025
تسجيلإبان الحرب على العراق برزت طائفة من الكُتَّاب العرب أطلق عليهم كتّاب المارينز قاموا يروجون للغزو الأمريكي ويسوّقونه للرأي العام على أنه تحرير وعمل خيري وكانوا يحاولون صبغ خزيهم بدعوى الموضوعية والواقعية وجرائم الطرف الآخر.. لكننا اليوم بصدد فئة أخرى من ذات الفصيل، بل أسوأ، وهم الكتّاب والإعلاميون الذين يتبنّون الرواية الصهيونية الكاملة..أحدهم كتب قبل أيام مهاجما الشعب الفلسطيني ومتهما إياه بالإرهاب بعد الهبة الشعبية الأخيرة، ولم يجد لمقاله استدلالا واستشهادا أفضل مما قاله رئيس الوزراء الصهيوني "بنيامين نتنياهو" من أن "إرهاب الفلسطيني لن يهزم إسرائيل"، وأقول:ليس غريبا أن يوجد في الأمة "مهابيل" وخونة، فهذا حال عام وجد في كل الأمم وفي كل الأزمان، حتى في زمنه، صلى الله عليه وسلم، وهم الذين أطلق القرآن عليهم "المنافقون"، ولكن المشكلة واللافت أن هؤلاء وبدل أن يعزلوا عن الرأي العام ويحاصر فسادهم وخرابهم صاروا يجدون مساحة من التسامح ليخاطبوا الرأي العام ويطاولوا بتهجماتهم أمهات القضايا الكبرى ذاتها وأن يتبنوا كل الرواية الصهيونية.. وفي المثل الفلسطيني (إللي عنده مجنون بضبه)، يعني يبعد بلاءه عن الناس..وقد قرأت مقال هذا الكاتب فوجدته من فصيلة أولئك الذين لا يطرحون قضية للنقاش ولا يعرضون حجة يرد عليها، وأعتقد بالقطع واليقين من خلال صيغه الادعائية ولغته الشتائمية وتجريحه للثوابت الدينية والوطنية والقومية التي لا خلاف عليها لا يقصد إلا هز القناعات العامة المحكمة واستفزاز الرأي العام وكسر (تابو) رفض الرواية الصهيونية وربما للفت الأنظار لنفسه واسترعاء الاهتمام به..قد يقال إنها حرية رأي وحق تعبير مكفول.. وأقول: ليس كل رأي ولا كل قول يقال ويحمى بحق الحرية!، أرأيت لو قام ينظّر ليقنع الرأي العام بفكر التطرف والإرهاب الداعشي، أرأيت لو قام يحرض ضد الأمن العام، هل كان ليُحتج له بالحرية والخلاف في الرأي؟!ثم هل القضية الفلسطينية ومقدسات المسلمين قضايا عائمة ومرسلة بدون ضوابط إلى حد أن نختلف على حدود المقبول والمرفوض منها؟ ولئن اختلفنا في المسائل الداخلية وفي معركة الاستبداد والثورات الوطنية.. قد نختلف قربا وبعدا في كل ذلك، ولكن هل نختلف على عداوة اليهود الصهاينة الذين هم كفار من الناحية الدينية، ويحتلون جزءا غاليا مقدسا من بلادنا ويمارسون القتل ومصادرة حقوق الناس الأولية، من كرامة وأمن وتمتع الناس بممتلكاتهم في فلسطين من الناحية القومية؟ وأقرأ لكاتب آخر - من ذات الفصيلة - يخاطب الشباب الفلسطيني المنتفض بقوله: "لا تذهبوا إلى الموت، فلسطين بحاجة إليكم أحياء، اغضبوا ثوروا اندفعوا إلى الشوارع والحواجز اقطعوا الطرق، اصرخوا وأسمِعوا العالم الأصم صوتكم، فإن لم يسمع اليوم فإنه سيسمع غدا".. ثم يقول: "العالم يا سادة لا يقبل عمليات الطعن والدهس ضد المدنيين، سيرفضها كما رفض العمليات الاستشهادية"..أرأيتم المنطق!، فهو يريد أن يُسمعوا العالم الذي يصفه هو نفسه بالأصم، ثم هو يتكلم بالأوهام (أوهام اندفعوا للشوارع واقطعوا الطرق واصرخوا وينسى أن العدو يقتل لأقل من ذلك، ويتوهم أن العالم الذي يرى مظلمة الفلسطينيين، بل الذي صنعها، سيسمع غدا ما لم يسمعه لثلاثين سنة خلت في المفاوضات والتسوية والتنسيق الأمني والتنازلات والدماء النازفة والحروب العدوانية).آخر القول: الكثيرون لم يتوقعوا أن يصل بكتّاب في صحف ورقية مرخصة توزع في بلد عربي مسلم محافظ أن يكتبوا في تبني الرواية الصهيونية مهما كان الخلاف أو الخصومة، لكن ذلك قد حدث وما أراه إلا من الانكشاف والفرز الكبير الذي يقع في أمتنا وهو يبشر بخير كثير.. والله تعالى يقول: (ليميز الله الخبيث من الطيب).