13 سبتمبر 2025

تسجيل

زمن الاستبداد

22 أكتوبر 2014

في إطار التعثر الواضح لمعظم تجارب الربيع العربي صار السؤال الطبيعي هو: هل نحن أمام عقد جديد من الاستبداد؟ وهل يمكن أن يمتد زمن الاستبداد الحالي لكي يضاهي في طوله أزمان الاستبداد التي عاشتها الشعوب العربية في أعقاب حصولها على الاستقلال في الخمسينيات والستينيات؟ بعبارة عامة يمكن القطع أن الديكتاتوريات العربية قد استنفدت كافة الأرصدة التي اعتمدت عليها في الماضي لكي تطيل أمد بقائها في السلطة، بحيث يمكن القول إن استمرارها في المرحلة الحالية يعكس نوعا من القصور الذاتي ولا يعكس امتلاكها لقوة دفع حقيقية تمكنها من الاستمرار في لعب الأدوار التي لعبتها في الماضي. ولكن رغم ذلك فإن أنظمة الاستبداد مازالت تراهن على عدد من الدعامات التي تحاول أن تعوض من خلالها قصورها وفشلها. أولى هذه الدعامات هو احتكارها استخدام أدوات العنف داخليا. فبشكل عام تبدو أنظمة الاستبداد في هذه المرحلة أكثر جرأة في ممارسة واستعراض بأسها عن أي مرحلة سابقة، ويتعلق هذا بكون التهديد الذي تواجهه في هذه المرحلة تهديدا وجوديا أكثر منه تحديا نمطيا عاديا، وعليه فإنها تبدو راغبة وقادرة على خلع كافة الأقنعة التي كانت تتخفى وراءها، والتي تشمل أقنعة المؤسسات، والديمقراطية، والشرعية، فلا بأس الآن من الحكم بقوة السلاح، ولا مانع من أن تخرج الشرعية في هذه المرحلة من فوهة المدفع وليس من صندوق الانتخابات "المزورة". أما الدعامة الثانية لأنظمة الاستبداد فترتبط بقدرتها على المناورة والحصول على الدعم الدولي والتأييد الداخلي في إطار ما يطلق عليه الحرب على الإرهاب. وفي هذا الإطار تتذرع هذه الأنظمة بوجود "الجماعات الراديكالية" لتبرير استبدادها الداخلي، فضلاً عن تسويق خدماتها لقوى الخارج للحصول على دعمها. وبالفعل يدفع الخوف من التنظيمات المتشددة قطاعات واسعة من الشعوب إلى الاحتماء بأنظمتها رغم أدائها السيئ، ويستمر الدعم الجماهيري طالما استمر الخوف من المصير الفوضوي الذي يمكن أن تؤول إليه أوضاع البلاد قياسا على تجارب مماثلة أدى فيها عنف النظام إلى خروج الأوضاع عن السيطرة. كما يتوفر الدعم الدولي طالما ظلت القوى الخارجية بحاجة إلى من يحقق لها الاستقرار الإقليمي بأي ثمن. ويبقى السؤال هل هذه الوضعية مرشحة للتغير في الأمد القريب؟ في الواقع تبدو أنظمة الاستبداد ممسكة بزمام الأمور رغم كل ما يحيط بها من مظاهر للفوضى، إلا أن التغيرات الإقليمية تبدو أعقد من أن تنجح هذه الأنظمة في التعامل معها أو البقاء بمنأى عن تداعياتها. فمهما تكن فاعلية أسلوب القبضة الغليظة على المستوى الداخلي ومهما تكن قدرتها على المناورة فلا يبدو أن بمقدور هذه الأنظمة أن تضبط التفاعلات التي تؤثر على استقرارها على المستوى الإقليمي والدولي باستخدام هذه الأساليب. فالمنطقة كلها تبدو في حالة مخاض تأخر عن موعده الطبيعي بعدة عقود، فالأنظمة التي خلفها الاستعمار كأنظمة شبه حداثية لم تستطع أن تتظاهر بالطابع الحداثي لأكثر من ذلك. خاصة أن هذه الأنظمة قد تلبست حداثة الشكل دون المضمون. فقيم العقلانية والرشادة وحكم القانون تحولت في إطار تجربة الاستبداد العربي إلى قيم للفساد والمحسوبية وحكم الهوى، وذلك مع غلاف أنيق من المؤسسات التي يفترض أنها تعكس أسماء وصفات القيم الحداثية. وإذا كانت الشعوب حاليا تسدد القدر الأكبر من تكلفة هذا المخاض الإقليمي، فإن الأنظمة أيضا تبدو مرشحة لتغيرات كبرى في إطاره. خاصة أن تصور أن تنجح نظم الاستبداد في أن تظل مستقرة في وسط أجواء الفوضى الإقليمية يبدو تصورا بعيدا، كما أن الحفاظ على الاستقرار من خلال إجراءات تعمق الفوضى تبدو هي الأخرى محاولة غير منطقية. صحيح أن هناك قطاعات من الشعوب العربية مازالت مستعدة للتعايش مع الفشل، وقادرة على تبرير الفساد والاستبداد، إلا أن وجود مثل هذه القطاعات لا يمكن أن يخرق نواميس الاجتماع الإنساني التي تؤكد على أن الظلم مؤذن بخراب العمران، وأن المنظومات المعبأة بالفساد، وانعدام الكفاءة، لا يمكن أن تستمر في مقاومة العوامل التي تدفعها إلى نقطة نهايتها المحتومة.