12 سبتمبر 2025
تسجيلتتأثر أسعار النفط العالمية بعوامل متعددة لا ترتبط قطعا بآليات السوق فقط من حيث العرض والطلب، مثل العوامل الجيوسياسية ومعدلات النمو والأوضاع الاقتصادية العالمية، مما يؤدى إلى تعرض الأسعار للتذبذب بين الحين والآخر، وظهور حالة من الهلع والخوف بين أوساط الدول المصدرة للنفط خاصة التي تعتمد في مواردها الأساسية على مبيعاتها النفطية التي تعد مصدراً أساسياً ووحيداً للدخل، حيث إن معدل النمو الاقتصادي بدول منطقة اليورو في النصف الأول من هذا العام لم يكن مشجعاً، لأنه لم يتجاوز 20.3 تريليون يورو، نظرا لعدة أسباب منها سوء الأداء الاقتصادي في العديد من دول المجموعة ومن بينها إيطاليا وهولندا وفرنسا وألمانيا، إلى جانب عدم القدرة على خفض إنفاقها الحكومي وزيادة الضرائب للتمكن من علاج مشكلتي الديون السيادية وعجز الموازنات. وإن كانت السوق متخمة بالمعروض نتيجة للزيادة الجزئية في الإنتاج العالمي للنفط من الولايات المتحدة وإنتاجها من النفط الصخري الذي جعلها أكبر منتج في العالم لهذا العام، متفوقة على السعودية وروسيا، عبر إنتاج نفط وسوائل نفطية تجاوزت 11 مليون برميل يوميا بالربع الأول من هذه السنة، بحسب تقارير "بنك أوف أميركا ميريل لينش"، وكذلك فإن أهم المؤثرات على أسعار النفط في الأزمة الحالية هو انخفاض الطلب حيث خفضت الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها الأخير توقعاتها لنمو الطلب على النفط خلال العام المقبل إلى 93.5 مليون برميل يوميا، وذلك للمرة الثالثة هذه السنة بناء على ضعف المؤشرات الاقتصادية في الصين وألمانيا التي أدت إلى خفض التوقعات للطلب على النفط، وكذلك لعدم قدرة الدول المستهلكة على الشراء عندما ترتفع الأسعار عن المعدلات المناسبة، خاصة إذا تواكب مع ذلك ارتفاع سعر صرف الدولار، الأمر الذي يؤدي إلى تراجع الطلب في ظل الإبقاء على العرض، وعدم التحرك السريع من أوبك لخفض الإنتاج باعتبار أن ذلك قد يكون غير مؤثر بدرجة كبيرة في الحد من المعروض نظرا لضخ النفط الإيراني بكثافة وبأسعار منخفضة لتعويض مواردها نتيجة للحصار الاقتصادي المفروض عليها، إلى جانب النفط العراقي والليبي وعمليات التهريب التي تفشت في الأشهر الأخيرة والبيع بأسعار متدنية، إلى جانب الإشكالية الأكبر وهي أن السوق قد يتعرض إلى عملية حرق للأسعار للحفاظ على حصتها السوقية، مع زيادة المعروض من النفط،نظرا للحاجة إلى الموارد المالية لتغطية احتياجات الخطط التنموية بما يدفع الأسعار إلى المزيد من الانخفاض حتى تتم عملية التصحيح مع عودة الأسعار إلى معدلها الطبيعي، لذلك من الممكن للأسعار أن تقف عند سقف 75 دولارا للبرميل لفترة، حتى يحدث التوازن في سوق النفط، ويبدأ في الصعود، ولكن يتوقف ذلك على دعم الاقتصاد العالمي ومدى زيادة الطلب على النفط إلى مستويات تستوعب الزيادة في إمدادات النفط خلال الفترة القادمة، ولكن الغريب أن سيناريو تراجع أسعار النفط يتكرر في فترات الركود الاقتصادي الذي يصاحبه تراجع معدلات النمو، التي يتبعها بالضرورة تراجع الطلب على النفط، وقد عاشتها الدول العربية في الثمانينيات والتسعينيات وفي العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، عندما تنخفض أسعار النفط، وتتأثر بها موازنات الدول النفطية العربية، التي ينتج عنها تراجع أو تأجيل لمشروعات اقتصادية وبالتالي تراجع الطلب على العمالة من الدول العربية غير النفطية، ومن ثم نقص تحويلات عمالة الدول العربية غير النفطية، لكن برغم كل ذلك فإن دول الخليج تستطيع أن تتعامل مع هذا السيناريو لقدرتها على تحمل أسعار النفط المنخفضة لفترات ليست طويلة نتيجة للاحتياطيات المالية، التي خصصتها من فوائض العوائد النفطية،وكذلك لانخفاض نسب الديون لديها، وهي بلا شك في وضع أفضل من دول صناعية كبرى، حيث يشكل النفط ما يقرب من 49 %من الناتج المحلي الإجمالي لديها، بالإضافة إلى كونها تمتلك أكبر احتياطي نفطي عالمياً يُقدر بنحو 486.8 مليار برميل أي ما يعادل 35.7 % من إجمالي الاحتياطي العالمي من النفط الخام وما نسبته 70 % من إجمالي الاحتياطي العالمي لأوبك، ولذلك فإنه في أسوأ الحالات يمكن لدول التعاون أن تضطر إلى السحب من فوائضها واستثمارات صناديقها السيادية إذا ما استمر نزيف أسعار النفط لفترات قد لا تطول كثيرا خاصة مع حلول موسم الشتاء وزيادة الطلب على وقود التدفئة وتوقع استقرار سعر البرميل عند مستوى ما بين 90 و100 دولار.