18 سبتمبر 2025
تسجيلأهم أسباب تأخرنا ـ ونقول ذلك تأدبا تجنبا لاستخدام تعبير (تخلفنا) ـ كثرة الكلام وإضاعة الوقت فيما لا يفيد.. العلامة ابن القيم رحمه الله كان موسوعة متعدد التخُصصات، وقيل له ذات مرة ما أكثر الأوقات التي نضيَعها من دون مردود إيماني أو دعوي، فما عاقبة إضاعة الوقت في نظرك؟ فقال: إضاعة الوقت أشد من الموت، لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله والدار الآخرة، والموت يقطعك عن الدنيا وأهلها..إذا لم نضع لأنفسنا في حدود استعداداتنا وحاجاتنا وواجباتنا وكذلك طموحاتنا أهدافاً بعيدة وقريبة واضحة، فإننا لن نتقدم قيد أنملة.. لن تتحرر فلسطين وسنظل أبد الدهر خاضعين للاستكبار الإسرائيلي.. عامل مهم جدا لا نلقي له بالا، ألا وهو عامل الزمن واحترام المواعيد والقانون. كان رئيس الوزراء البريطاني الأسبق ونستون تشرشل متأخرا عن اجتماع لمجلس الوزراء فاستعار سيارة ابنته وانطلق مع مرافقه بسرعة تجاوزت المسموح. أوقفه شرطي وحرر له مخالفة رغم علمه بهوية تشرشل وسبب الاستعجال. أما ابنته فتأخرت عن محاضرتها في الجامعة بسبب اضطرارها إلى البحث عن وسيلة مواصلات أخرى، ما دفع الأستاذ إلى منعها من دخول الصف بسبب التأخير. التقى تشرشل وابنته مساء وكانا متكدرين.. أبلغها بما حصل معه وأبلغته بما حصل معها، فابتسم وقال: "بوجود نظام كهذا، الكلمة الأولى فيه للقانون، أستطيع أن أقول إن بريطانيا يمكنها الآن المشاركة في الحرب" العالمية الثانية. لابد لنا في خضم حياتنا اليومية أن نكون على علاقة دائمة مع الزمن.. لنصَنِّف أهدافنا على حسب الأولويّات، الأهمُّ منها أولاً، ثمّ ما بعدَه.. لنقدّر بدقة الزمن اللازم لكل هدف أو مرحلة.. لابد من تنظِّيم أمورنا وحياتنا وأوقاتنا حتى نتمكن من التنفيذ والإنجاز.. من المهم أن نُقبل على أعمالنا بشغَفٍ وحماسة، ونقدم أفضل ما نستطيع من إتقان.. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه".. الإرجاء والتأجيل آفة الكثيرين فإن قررنا عملا فلابد من أن نباشر فوراً تنفيذه فلنحاولْ جميعُنا دائماً أن نصون وقتنا وجهدنا، ونُحْسِن استخدامه والانتفاع به.. فهذا ما يعرف حديثا بإدارة وضبط الوقت. الاستفادة من الوقت هي التي تحدد الفارق ما بين الناجحين والفاشلين في الحياة، إذ إن السمة المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتهم على الموازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها والواجبات اللازمة عليهم تجاه عدة علاقات، وهذه الموازنة تأتي من خلال إدارتهم لذواتهم، وهذه الإدارة للذات تحتاج قبل كل شيء إلى أهداف ورسالة نسير على هداها. كثرة السؤال آفة من الآفات المجتمعية وقد حذرنا القرآن من كثرة السؤال، وكثرة السؤال دون مبرر إضاعة للوقت، يقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ) المائدة 101، أي وإن تسألوا عن تفصيلها بعد نزولها تبين لكم، ولا تسألوا عن الشيء قبل كونه فلعله يحرَّم من أجل تلك المسألة، ولهذا جاء في الصحيح: "إن أعظم المسلمين جرماً من سأل عن شيء لم يحرم فحُرِّم من أجل مسألته". وثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: كان ينهى عن قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال. وفي صحيح مسلم:"ذروني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم واختلافهم على أنبيائهم. فإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم، وإن نهيتكم عن شيء فاجتنبوه". قيل إن رجلا جاء إلى الشعبي – وكان ذا دعابة ومن أصحاب الأجوبة المفحمة – وقال الرجل له: إني تزوجت امرأة ووجدتها عرجاء، فهل لي أن أردها؟ فقال الشعبي: إن كنت تريد أن تسابق بها فردها! والشعبي هو عامر بن شراحيل بن عبد ذي كبار الهمداني الحميري، من أهل الكوفة. وأحد الرواة الثقاة من التابعين. يُضرب المثلُ بحفظه. اتصل بعبد الملك بن مروان فكان نديمه وسميره ورسوله إلى ملك الروم، وكان إلى جانب ذلك فقيها وشاعرا، هو أكبر شيوخ أبي حنيفة، غضب عليه الحجاج لتأييده عبدالرحمن بن الأشعث فاعتذر إليه بكلام حسن فعفا عنه. استقضاه عمر بن عبدالعزيز في الكوفة. وسأل الشعبي رجلٌ أيضا قائلا: إذا أردت أن أستحمّ في نهر فهل أجعل وجهي تجاه القبلة أم عكسها؟ قال: بل باتجاه ثيابك حتى لا تسرق! وسأل الشعبي رجلٌ آخر عن المسح على اللحية فقال: خللها، قال الرجل أتخوف أن لا أبلها، فقال مجيبا: إذا تخوفت فانقعها من أول الليل. وسأله حاج: هل لي أن أحك جلدي وأنا محرم؟ فقال الشعبي: لا حرج. فقال الحاج إلى متى أستطيع حك جلدي؟ فقال له الشعبي: حتى يبدو العظم!! كم من الأوقات التي تضيع في الدواوين الرسمية؟ هل من عقوبة مغلظة ضد من يضيعون الأوقات سدى؟