16 سبتمبر 2025
تسجيللا شك أن لعبة الصراع على إدارة الحكومة اللبنانية وصلت إلى خواتيمها أو هي في طريق الوصول بعد أن حلّ استحقاق تمويل المحكمة الدولية الخاصة باغتيال الرئيس رفيق الحريري، حيث إن السجال القائم حالياً بين الفرقاء السياسيين ينذر بتصدع "الأكثرية الجديدة" التي تتشكل من الرئيس ميشال سليمان ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنائب وليد جنبلاط رئيس جبهة النضال الوطني إضافة إلى تكتل قوى 8 مارس المكونة من حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحرّ.. لقد بدا التمايز واضحاً ويزداد اتساعا يوما بعد يوم مع دنو موعد استحقاق تمويل المحكمة الدولية، حيث يصرّ فريق الثامن من مارس وعلى رأسه حزب الله على رفض تمويل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان على اعتبار أنها محكمة إسرائيلية هدفها الأساسي هو النيل من قيادات الحزب والمقاومة وصولاً إلى أجندات مرتبطة بضرب سوريا وإيران. يدعم حزب الله في ذلك التيارُ الوطني الحر الذي لا يبدو مقتنعاً بمبررات حزب الله كثيراً، وإن كان ينساق خلفه في رفضه لتمويل المحكمة ويكاد يتماهى معه في كل أطروحاته الداخلية والخارجية. ولعل التيار الوطني الحرّ بقيادة الجنرال ميشال عون وجد طريقاً آخر لتبرير سلوكه الرافض للمحكمة الدولية، وهو ما جاء على لسان النائب في تكتل "التغيير والإصلاح" الدكتور ناجي جاريوس الذي أرجع رفض التيار تمويل المحكمة لأسباب مرتبطة بتشكيلها غير الدستوري"، معتبراً أن "البيان الوزاري وإن تطرق إلى تمويل المحكمة، إلا أنه تم التأكيد على شفافية عملها والابتعاد عن التسريبات وهو ما لم يحصل في الفترة الفائتة". ويتساءل جاريوس: "لماذا يهبّ المجتمع الدولي والعربي لمطالبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بتطبيق القرارات الدولية في ما يتعلق بالمحكمة، ولا يتحرك أحد منهم لمطالبة دولة إسرائيل العنصرية ورئيس الوزراء الإسرائيلي بتطبيق القرارات الدولية". وبعيدا عما إذا كان طرح التيار الوطني الرافض لتمويل المحكمة مقنعاً للمراقبين وهو أحد الأطراف التي صاغت البيان الوزاري لحكومة ميقاتي الذي أكد احترام والتزام كافة الاتفاقات والمواثيق الدولية ومنها تنفيذ لبنان تعهداته بتمويل المحكمة، فإن العين تقع اليوم على كل من رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ورئيس جبهة النضال الوطني وليد جنبلاط، وإلى حدّ ما رئيس الجمهورية ميشال سليمان الذي يحاول أن يلعب دور الراعي للجميع بحكم منصبه وحدود صلاحياته. وإذا كان جنبلاط بدا مستاء من أداء حلفائه لاسيَّما حزب الله وقد ظهر ذلك جلياً خلال الحوار التلفزيوني الذي أجرته معه قناة المنار التابعة لحزب الله حيث لم ينفك جنبلاط أن يوجه النصائح للنظام السوري ويحذره من استمرار الحلّ الأمني ناسفاً الرواية السورية المدعومة من حزب الله بأن جماعات مسلحة تقف وراء الأحداث في سوريا، فإن المعلومات المتوافرة تؤكد أن وزراءه في الحكومة سيلتزمون بقرار تمويل المحكمة داخل مجلس الوزراء وإن كانت أغلبية الأصوات ستصوت بـ "لا" تماشياً مع رغبة حزب الله، أمّا خيارات الرئيس نجيب ميقاتي كلها مرةّ، لأن التسريبات تشير إلى أنه سمع في الآونة الأخيرة كلاماً واضحاً من حزب الله برفض الحزب تمويل المحكمة رفضاً قاطعاً، وأن على ميقاتي إما القبول بلعبة التصويت داخل مجلس الوزراء التي لن تكون لصالح التمويل وإما الاستقالة. ولا يبدو أن ميقاتي الذي يتطلع لإقناع ساحته السنية بزعامته ويحرص على تكريسها قادر على أن يجازف برصيده السني بعد الاتهامات التي يوجهها إليه تيار المستقبل بأنه يرأس حكومة حزب الله في لبنان أو خسارة ثقة المجتمع الدولي بحكومته وبلبنان في حال لم تلتزم حكومته بالتعاون مع المجتمع الدولي وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، ولا هو قادر على خسارة حلفائه في لبنان وسوريا أو الدخول في مواجهة مع حزب الله الذي جاء به إلى الحكومة.. وبين هذا وذاك يبدو أن ميقاتي سيفكر مرتين في الأيام القادمة قبل أن يخرج ورقة الاستقالة من حكومته أو يراهن بكل ما لديه من أوراق بالبقاء حتى موعد الانتخابات النيابية في العام 2013 ضارباً بعرض الحائط كل الهواجس التي تنتابه عن مستقبله السياسي.