13 ديسمبر 2025
تسجيليعتبر الحق في التعليم أحد الحقوق الأساسية التي نص عليها القانون الدولي لحقوق الإنسان وركيزته الأساسية المتمثلة في الشرعة الدولية، وفقاً لالتزاماتها الدولية والدستورية، تطالب مختلف دول العالم باتخاذ كافة التدابير القانونية والإجرائية والمالية الكفيلة باحترام الحق في التعليم لمواطنيها والوفاء بهذا الحق وحمايته أيضا، والحق في التعليم غير قابل للتصرف تحت أي ظرف كان، سلماً أم حرباً، مما يعني أنه من واجب كل دولة توفير خدمات التعليم لمواطنيها في كل الظروف، سواء بالاعتماد على إمكانياتها ومواردها الذاتية أو بالاستعانة عند الضرورة بدعم نظام التضامن الدولي. الحقوق الأساسية وفق ما ينص عليه القانون الدولي لحقوق الإنسان كل لا يتجزأ، لكن ما يميز الحق في التعليم هو أنه يمثل القاعدة الصلبة التي تبنى عليها ضمانات ثلاث وهي تحقيق الحقوق الأخرى كالصحة والسلم الأهلي والوئام الاجتماعي والتنمية الشاملة والعادلة ومجتمع دولي قائم على الانفتاح والتعايش السلمي ونبذ العنف والتطرف والتعصب. عقبات وتحديات تقف أمام تحقيق مبدأ الحق في التعليم عدة عقبات وتحديات وفقاً للسياقات العامة لكل دولة، لكن تبقى أهم هذه العقبات حالة النزاعات التي تشهدها مجموعة من الدول التي تنتمي كلها، وبدون استثناء، للدول النامية وتحديدا تلك التي تصنف ضمن مجموعات الدول الفاشلة، أو الدول المنخفضة الدخل، وفي بعض الأحيان أيضا قد يطول الأمر الدول المتوسطة الدخل، يعاني التعليم في هذه المجموعات من الدول، وبغض النظر عن النزاعات، من اختلالات جوهرية تطول مختلف جوانب المنظومة التعليمية من استراتيجيات وسياسات، وتخطيط وتخصيص للموارد، وإدارة ومتابعة وتقييم، ومناهج وتكوين وغيرها، كل هذا يؤثر بشكل كبير على قدرة هذه الدول على ضمان تعليم يشمل الجميع وذي جودة عالية. وتزداد أزمة التعليم في هذه الدول بسبب النزاعات، حيث تؤدي المخاطر الناجمة عن النزاعات في ظل هشاشة المنظومة التعليمية بشكل خاص وهشاشة الدولة بشكل عام إلى خسائر فادحة تصيب المنظومة التعليمية، وتتمثل مضاعفات النزاعات على التعليم في بروز إشكاليات الهوية كعامل مفرق يهدد اللحمة الاجتماعية ويضعف مقومات السلم الأهلي، مما يحول دون الاستفادة من التعليم في تعزيز اللحمة الوطنية، كما أن استهداف الأصول التعليمية بواسطة العمليات المسلحة يجعلها غير قابلة للاستخدام التعليمي، إضافة إلى أن نزوح أو لجوء عدد كبير من السكان بمن فيهم الأطفال، هرباً من ظروف النزاع قد لا يعني وصولهم إلى أماكن آمنة واستفادة الأطفال من حقهم في التعليم، فضلا عن عجز الدولة الكامل عن توفير الخدمات التعليمية في المناطق التي فقدت السيطرة عليها، وهي غالبا ما تكون مناطق مهمشة وقد يكون هذا التهميش هو السبب الرئيس وراء إثارة النزاع. وفي سياقات النزاع، تولي الدول اهتماماتها الرئيسة للقضايا الأمنية والعسكرية، وكذلك الشأن بالنسبة للجهات المسلحة الأخرى غير النظامية التي تسيطر على بعض المناطق فيقع بالتالي تحت ولايتها جزء من السكان مع ما يترتب على ذلك من التزامات من طرف هذه الجهات وفقاً للقانون الدولي الإنساني. اهتمام محدود ظل الاهتمام بالاحتياجات التعليمية في سياق النزاعات محدوداً جداً مقارنة بباقي الاحتياجات الإنسانية الأساسية كالصحة والمأوى والغذاء وغيرها، وتقدر منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة أن 2 % فقط من المساعدات الإنسانية تخصص للتعليم، وهي نسبة ضعيفة إذا أخذنا بعين الاعتبار حجم الاحتياجات التعليمية الذي تعكسه الأعداد المتزايدة للأطفال ضحايا النزاعات عبر العالم، حيث يمثل الأطفال الذين يعيشون في مناطق النزاع 50 % من إجمالي الأطفال غير الملتحقين بالتعليم عبر العالم. ولعل من أهم المضاعفات الناجمة عن عدم الاهتمام بتعليم الأطفال أثناء النزاعات ما يلي: 1. تعريض الأطفال لمزيد من مخاطر الأمن والسلامة التي بإمكانهم تفاديها لو استفادوا من حقهم في التعليم، حيث تشمل هذه المخاطر التعرض لمخاطر الألغام الفردية، ومخاطر التجنيد، والاستغلال الجنسي، والعمل القسري وأعمال السخرة، والاتجار بالأعضاء وغيرها، إضافة إلى ارتفاع كلفة التعافي وإعادة بناء المؤسسات التعليمية بعد انتهاء النزاعات وزيادة مخاطر الانزلاق في دوامة أزمات لا تنتهي بسبب فقدان التربية التي يضطلع التعليم بدور رئيس في ترسيخها في نفوس النشء. مبادرات دولية رغم أن القوانين الدولية ذات الصلة خصوصا القانون الدولي الإنساني، والقانون الدولي لحقوق الإنسان تمتد لحوالي قرن ونصف القرن من الزمن بالنسبة للقانون الدولي الإنساني أكثر من 75 سنة بالنسبة للقانون الدولي لحقوق الإنسان، فإن الاهتمام بالتعليم في سياقات النزاع لم يبرز بشكل واضح وجلي إلا مع اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 وما تلاها من مبادرات دولية والتي حاولت أن تستلهم من نصوص هذه الاتفاقية لتعزيز فرص استفادة الأطفال من حقهم في التعليم بما في ذلك أثناء النزاعات. وتجدر الإشارة هنا إلى مسألتين مهمتين هما أن ما ذكر عن التعليم أثناء النزاعات لا يعني غيابه تماما عن الاهتمامات قبل قاعدة اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989، فنجد أن ميثاق منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) التي تأسست عام 1945 قد وضع إشكالية التعليم والنزاعات في إطارها الحقيقي عندما أكد على أنه "لما كانت الحروب تتولد في عقول البشر، ففي عقولهم يجب أن تبنى حصون السلام". لا شك أن هذه الجملة البليغة تختزل الرسالة الرئيسة التي تضطلع بها اليونسكو بخصوص تعزيز السلام عبر العالم، لهذا يمكن أن نقرأ من خلالها إشارة واضحة إلى أهمية التعليم قبل وأثناء وبعد النزاع. إعادة البناء فالتعليم يقي من النزاع عندما يسهم في تعزيز اللحمة الاجتماعية والعيش المشترك وفي التربية على المواطنة، وعندما لا يكون من النزاع بد، باعتباره ظاهرة بشرية، فمن شأن التعليم أن يحد من مخاطره ويهيئ ظروف الخروج منه بأقل خسائر ممكنة، ولما يفض النزاع أو تضع الحرب أوزارها يسهم التعليم بشكل فعال في التعافي وإعادة البناء. ثانيا: من حيث الممارسة، لنا عبرة بليغة في تعامل الدول الغربية مع التعليم أثناء الحربين العالميتين الأولى والثانية باعتبارهما أكبر نزاعين مسلحين مر بهما العالم على الإطلاق، لقد حرصت هذه الدول رغم الدمار وويلات الحرب على ضمان استمرارية العملية التعليمية ليس لغرض ضمان حق الأطفال في التعليم فحسب، بل قد أثبت الواقع أن من أسهموا في النصر بشكل فعال لم يكونوا فقط ممن واجهوا الموت في ساحات الوغى بل أيضا ممن شغلوا صفوف الدراسة وقضوا الساعات الطوال في المختبرات البحثية والعلمية، كما كانت أنظمة هذه الدول مقتنعة تماما بأنه سيأتي يوم تنتهي فيه الحرب، فكرست جزءا مهما من جهودها للاستعداد أثناء الحرب لإعادة البناء أثناء السلام.. وقد كان ونستون تشرشل يحرص دائما على سؤال مستشاريه أثناء حصص إحاطتهم له بآخر مستجدات الحرب، كان يحرص على سؤالهم عن حالة أمرين اثنين: الأطفال، والتعليم.. وكان كلما طمأنه مستشاروه بأنهما بخير رد عليهم في اطمئنان "إذا، فالأمة بخير". بعد هذا الاستطراد الذي استدعته ضرورة الإشارة إلى ربط التعليم أثناء النزاع بقضايا السلم باعتباره مطلباً دولياً، وأيضا ضرورة المقارنة بين الدول المتقدمة والدول النامية بخصوص سياساتها وسلوكها تجاه التعليم في سياق النزاعات، نعود إلى الجهود التي تلت اعتماد اتفاقية حقوق الطفل لسنة 1989 بخصوص التعليم في سياق النزاعات، لكن قبل ذلك لابد من التذكير على أن أهمية هذه الاتفاقية تكمن في أمرين مهمين: فهي من جهة اتفاقية دولية خاصة بالطفل تحديدا، لهذا جاءت لتركز على مختلف حقوقه ولتؤكد على اتخاذ مختلف التدابير اللازمة من أجل احترام وضمان وصيانة هذه الحقوق، كالتعليم مثلا، بما في ذلك في سياق النزاعات والحروب. ومن جهة ثانية جاءت الاتفاقية لتدعو إلى احترام كل العهود والمواثيق الدولية ذات الصلة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لسنة 1948، وباقي الاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، والقانون الدولي الإنساني وتحديدا اتفاقية جنيف الخاصة بحماية المدنيين لسنة 1949.