13 سبتمبر 2025

تسجيل

تناقضات النخبة..أين الخلل؟

22 سبتمبر 2016

المشكلة أن كثيرين من القادة والنشطاء والنخبة من كل الأحزاب والتنوعات القومية والدينية والاتجاهية والمذهبية في بلادنا لا يضيفون لذاتهم ولا لأحزابهم ولا لاتجاهاتهم الكثير بل يصيرون بعد فترة من ترديد نفس الأفكار وذات المواقف ومن الدفاع عنها بالحق وبالباطل عبئا على اللُحمة الوطنية ويتحولون إلى مجرد نسخ مكرورة عن بعضهم وعن الأقوى منهم والمؤثرين فيهم.. يتوارثون التناقضات ويستغلهم الآخر البعيد القادم من وراء البحار أو من تحت ركام التاريخ لإيقاع المزيد من التفتيت والتقسيم.. وأقول: لهذه الإشكالية تداعيات يمكن رصدها وإحصاؤها بتتبع ومعايشة أحداث بعينها وأشخاص بذاتهم ممن هم ضحاياها..هذه الإشكالية منها ما يعود على ذات الاتجاه وبنائه الإداري والفكري والمواقفي بالفساد والتخلف وعلى علاقتها بالخارج الآخر في دائرة الوطن وخارجها.. فذلك يؤدي إلى أن يتصدى لقيادة التيارات والنخب من ينافسون على الأكثر اتباعا وانقيادا لمصطلح (الروح العامة) في جهتهم، فيتأخر بل يمتنع التصعيد الإداري والترقية المناصبية داخليا على من يناقشون ويراجعون، ويُرفض رأي من يعتبرون مستجدين في مقابل رأي من يعدّون مستقدمين، ثم يصير التقبل والرفض على أساس القرب والبعد من المجاملات، وتنحسر القدرة على النقد الداخلي وتصير سببا في الاتهام بالنشوز ومبررا لإيقاع العقوبات والعزل والفصل والتشويه، ولا يبرز النوابغ الذين يقودون ولا يكتفون بالإدارة ويوجّهون ولا يكتفون بالتوافقات، وينحصر النبوغ فيمن قدموا من بيئات واسعة، أو تعرضوا لإشكالات، أو دعكتهم الأحداث أو في ظروف استثنائية.ذلك بالضرورة هو الذي يؤدي إلى ما نراه اليوم من عجز العقل الجمعي عن فهم الآخر الوطني أو المذهبي الذي لم يُسمع رأيه أو سُمع عنه من أفواه كارهيه.. وإلى الجمود على سياسات وسلوكات ومواقف وتناقضات وأشكال صارت بالتوالي والتوارث وعدم التمحيص قناعات عقدية وثوابت سياسية لا تقبل النقاش يعبر عنها المستجدون على العمل السياسي والديني بالتكفير والتخوين، فيما يعبر عنها الأكثرون دهاء وتجربة بالتخطيئ أو بالتقبل المدسس بالرفض أو بالرفض المزوّق بالقبول الظاهري.هذه الإشكالية التي أراها عظمى وشريرة وسببا أساسا في تحويل الخلافات لصراعات ولقسمة عمودية وأفقية يستغلها الآخر وتكاد تفتك بكل المنجزات التاريخية للأمة، أرى أن الجوهر في علاجها ألا تنبني الثقافة والتربية منذ التأسيس الفردي للشخص على الاتباع والتقليد ولكن على الإبداع والقيادة وعلى النمذجة والقدوة والاستحسان، وأن يصوب الخلل في مفهوم الالتزام بالفكرة والمنهج ذاته.فالعلماني الذي صار يرى العلمانية نقيضا لأصل التدين وصار يقرب الناس أو يباعدهم حسب مدى قربهم أو بعدهم من الإلحاد يجدر أن يعيد الاعتبار للفكرة الأصلية للعلمانية التي تقوم على نقل التدين من العمومية إلى الخصوصية فقط (هذا إن لم يعُد عن فكرة العلمانية ابتداء باعتبارها لا تتناسب مع واقعنا الديني والثقافي والمصلحي).والإسلاميون كذلك صاروا يرون الدين نقيضا للوطنية والقومية والقبلية ينبغي أن يعيدوا الاعتبار إلى قوله تعالى (وأنذر عشيرتك الأقربين) وإلى قوله صلى الله عليه وسلم يخاطب بلده مكة إذ هاجر منها تحت ضغط التعدي الإجرامي للكفر "والذي نفسي بيده إنك لأحب أرض الله إلى الله وأحب أرض الله إلىّ ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت". وأنه لا صدام مع هذه القيم - القومية والوطنية.. - إلا عندما تطغى على الحد العادل لها.لا شك أن خوف النخبوي على فقدان روابطه ومصالحه المنتسجة داخل حزبيته واتجاهه أو من خلالها وخوفه من أن يتعرض للإعدام النفسي والاجتماعي والوجاهي بسبب رأي يقوله أو مشاغبة يفسر موقفه بها.. يضعف - بلا شك - قدرته على صوغ المواقف المستقلة والآراء الخاصة والذاتية الفردية.. لذلك فإن عليه أن ينسج علاقات ومصالح حقيقية فوق حزبية وأن ينفتح على الآخر وأن ينتقل من الإعجاب بالثناء الشخصي إلى البحث عن الثناء على الفكرة والمنهج. آخر القول: من الضرورة بمكان أن يتمسك النخبوي بأخلاق النقد والمحاسبة داخل ذاته الشخصية والاتجاهية، وأن يوسع أفقه بشبكة علاقات حقيقية تعاونية مع الآخر ليطّلع أكثر ويعطي أكثر ويكون قويا بلا تتردد سواء كان الذي أمامه أبا بكر وعمر أو كان الذي يواجهه أبا جهل وأبا لهب.