13 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); تبدو المعارضة التونسية اليوم في وضع لا تحسد عليه، وسط مشهد سياسي متفلب، وتشكيلات حزبية تغيرت معادلاتها وعلاقاتها.. فقد عجزت النسخة الحالية من المعارضة اليوم على فهم هذه التطورات، فضلا عن مجاراة السياق الراهن والتموقع صلبه..والمفارقة الغريبة في هذا السياق، أن كل ما كسبته المعارضة خلال السنوات الأربع الماضية، خصوصا خلال فترة حكم الترويكا بقيادة حركة النهضة، تلاشى وبات نسيا منسيّا. فشل ذريعتراجعت بشكل ملحوظ قدرتها على تحشيد الشارع، وتقلصت فعاليتها في قلب الطاولة أو تغيير معادلات سياسية، وفشلت منذ انتخابات أكتوبر 2014، في فرض أجندتها وخياراتها، بما يجبر الحكومة على التراجع أو التنازل، مثلما كان يحصل مع حكومتي حمادي الجبالي أو علي العريّض، وفقدت قوتها صلب البرلمان، بل حتى الإعلام الذي استخدمت جزءا كبيرا من مكوناته، في صراعها السياسي، لم يعد يلعب دور الناطق الرسمي باسمها، ما أدى إلى دخولها نفق العجز وفقدان القدرة على المبادرة..اللافت للنظر في هذا السياق، أنه حتى عندما التقت المعارضة مؤخرا على موقف موحد إزاء مشروع قانون المصالحة الاقتصادية والمالية الذي طرحته رئاسة الجمهورية لتطبيع الوضع مع رجال الأعمال الموصوفين بالفساد، اختلفت حول تنظيم مسيرة موحدة، فظهرت تبايناتها بخصوص التوقيت وأسماء الأحزاب المشاركة وهويتها، ودخلت في حرب كلامية واتهامات مجانية مع بعضها البعض، فضيعت فرصة كان يمكن أن تشكل منعرجا في مسارها ومستقبلها ووحدتها، والنتيجة عجزها عن تحشيد ألف مشارك في المسيرة، الأمر الذي اعتبره مراقبين، علامة واضحة لفشل ذريع، ودليل جديد على تآكل المعارضة، ما يعني ضعفا هيكليا وفكريا وتكتيكيا، يجعل منها جزءا من المشكل وليست طرفا أساسيا في الحلّ، وبالتالي في صنع القرار السياسي، في بلد يحتاج إلى كل أبنائه ونخبه لبناء سياسات وقوانين وخيارات جديدة، تترجم الدستور التوافقي، وتساهم في إرساء نموذج مجتمعي جديد بكل معنى الكلمة..لكن لماذا اتخذت المعارضة هذا المسلك الفاشل ؟أسباب أساسيةبالتأكيد ثمة أسباب عديدة يمكن اختزالها في نقاط أساسية أهمها :** أن المعارضة أو جزءا واسعا منها على الأقل، لم تقتنع بأن المعادلة السياسية تغيرت، وأن الائتلاف الحاكم، رغم كل ما يمكن أن يقال عنه، يتوفر على خيوط اللعبة، في مقدمتها الأغلبية البرلمانية، وخيار التوافق بين أبرز رموزه، خصوصا "الشيخان"، رئيس الجمهورية، الباجي قايد السبسي، وزعيم حركة النهضة، راشد الغنوشي..** أن الوضع السياسي تتحكم فيه خيوط وعلاقات وتحالفات داخلية وخارجية، باتت محددة لاتجاهات الأمور في البلاد، ولا يبدو أن أحزاب المعارضة، خصوصا الراديكالية منها في اليمين كما في اليسار، استوعبت هذا المعطى، أو هي قادرة على التعامل معه بمرونة وبراغماتية..** لا يميّز الطيف الواسع من المعارضة، بين ما هو تكتيكي وما هو استراتيجي، والخلط بين الجانبين، أوقعها في عدم فهم التحولات الجارية في الشأن التونسي، وبالتالي فقدت قدرتها على التأثير في الوضع، وخسرت مجالات واسعة للمشاركة في صنع القرار السياسي الوطني..** ما تزال المعارضة تفكر في المشهد السياسي بخلفية فترة حكم الترويكا، بحيث لم تعد النظر في سياستها وخياراتها وأسلوب عملها وتحالفاتها، وظلت رهينة المحبسين : الراديكالية في التفكير والتخطيط، والتفكير في الوضع التونسي بعقل مرحلة الاستبداد..** ولعل أهم عائق يحول دون تطور هذه المعارضة وتحولها إلى قوة سياسية فاعلة ومؤثرة في المشهد السياسي التونسي، هو غرقها في الإيديولوجيا، وعدم تخلصها من عديد الدوغمائيات التي تجاوزها التاريخ وعفت عنها الجغرافيا..بالطبع لا يعني ذلك، أن المعارضة في سلة واحدة، فثمة من الأحزاب من قرأ التحولات بشكل جيّد، وفهمت اتجاهات البوصلة التونسية، لكنها تعاني من أزمة خطاب وقيادات وربما سياسات اتصالية أيضا، وهي تحتاج إلى بعض الوقت لكي تتحول إلى أحزاب منتجة..لكن هل معنى هذا أن الحكم في أحسن أحواله بهذا الائتلاف الحاكم الهشّ ؟ المشكل، أن ضعف الحكم لا تستغله المعارضة بشكل جيّد، لأنها سجينة رؤى ومقاربات من خارج السياق السياسي والتاريخي التونسي الراهن..