20 سبتمبر 2025

تسجيل

الحوار السوداني الأوروبي

22 سبتمبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); قبل اثني عشر عاماً من الآن قدر الله لي أن أكون حاضراً لجلسات الحوار السوداني – الأوروبي الذي كان يجري برئاسة وزارة الخارجية بالخرطوم وكان يستهدف تطبيع العلاقات بين السودان ودول الاتحاد. كان طرفاه وفد سوداني برئاسة وكيل الخارجية الأسبق السفير د. مطرف صديق- سفير السودان الحالي لدى مملكة بلجيكا والاتحاد الأوروبي ووفد من سفراء دول الاتحاد المعتمدين بالسودان يرأسه سفير الدولة التي تترأس دورة الاتحاد.يتغير السفراء وتتغير رئاسة الاتحاد وتظل اللغة هي اللغة والموضوعات هي الموضوعات والتحفظات هي ذاتها وكذلك المواقف، حتى أن بعضاً ممن كان عضوا في لجنة الحوار لفترة طويلة وصفه بأنه "حوار الطرشان" وهي عبارة عامية سودانية تصف حواراً بين طرفين أو أكثر لا يؤدي إلى نتيجة.وكلما كانت الحكومة السودانية تشرح موقفها وتوضح، وتبدي حسن النوايا والاستعداد للتقدم للأمام في كآفة الملفات، كلما تراجعت دول الاتحاد في الاتجاه المعاكس تماماً، فدعمت انفصال جنوب السودان وساقت ملف دارفور إلى مجلس الأمن الدولي ومن بعده إلى المحكمة الجنائية الدولية، وخنقت اقتصاد الدولة التي وفت بكل التزاماتها وتعهداتها التي قطعتها على نفسها مع "المجتمع الدولي".تذكرت كل ذلك وأنا أحضر قبل أيام بالدوحة الاجتماع العاشر للجنة متابعة تنفيذ اتفاقية الدوحة للسلام في دارفور، تلك الاتفاقية التي شهد لها العدو قبل الصديق بأنها ناقشت وعالجت جذور المشكلة بدارفور، وحين بدأ تطبيقها كان لها الأكثر إسهاماً في استقرار جزء حيوي من أقاليم السودان التي اعترتها وأعثرتها بعض النزاعات المسلحة. وكنت حسب متابعتي لما نفذ على الأرض من تعهدات أطرافها وبخاصة دولة قطر التي احتضنت المفاوضات والتوقيع على الاتفاق وساهمت بقدح معلى في تنفيذ ما أنجز في الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية التنموية ورعت ذلك حتى أثمر استقراراً لا نقول هو الأمثل لما ننشده ولكنه الأفضل حتى الآن. كنت ألحظ التقدم على الأرض في ملفات السلام والاستقرار والتنمية وإن كان هنالك بعض التعثر في ملف السلم الاجتماعي بسبب تعقيداته الكبيرة وأحداثه المتكررة التي أدت لتأجيل مؤتمراته لأكثر من مرة ، كما تابعت وتابع معي كل مهتم تصريحات لجهات متعددة لها صلة بالقضية – بما فيها جهات دولية وإقليمية – أن الوضع يسير نحو الأفضل في ولايات دارفور.برغم كل ذلك يظل حكم الدول الغربية وبخاصة دول الاتحاد الأوروبي هو ذات الحكم الذي صدر منهم قبل أكثر من اثني عشر عاماً، وتكاد اللغة تتكرر برغم طول السنين لدرجة أن من يستمع لممثلي تلك الدول وهم يطرحون أفكارهم وتعليقاتهم وأحكامهم على الأمور يعتقد بأنهم يقرأون من ورقة واحدة حددت فيها نقاط لهذه الافكار والتعليقات والأحكام ووزعت عليهم، بل هم يوردون ذات الحجج والدفوعات لآرائهم برغم أنها مغالطات يشهد عليها واقع الحال وشهادة المراقبين.لما يزيد من العقد من الزمان تغيرت كل الأشياء في العالم، تغيرت التحالفات، العلاقات، الأفكار، النظريات، السياسات، الاقتصاد، السكان، التكنولوجيا، علاقات الدول، بل حتى خارطة بعض دول العالم. وظلت نظرة الغرب - والاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص – لدول العالم الثالث وما يحدث بها من صراعات هي ذات النظرة التي يجسد فيها دور "الألفة" وهي لفظة عامية سودانية للتلميذ المسؤول عن حفظ النظام في الفصل ورصده، فهو يرصد السلوك السلبي فقط لزملائه وغير معني من قريب أو بعيد بتسجيل ملاحظة لمن يقدمون نموذجا إيجابيا، مع الاختلاف في أن "الألفة" تعينه ادارة المدرسة بينما الغرب هو من عهد على نفسه القيام بهذا الدور، غير أن وجه الشبه في كليهما أن كلا منهما هو أكثر سلبية ممن يراقب.لقد آن الأوان – إن كان الغرب يريد إصلاحاً حقيقياً – أن يتخلى عن دور "الألفة" الذي يلعبه ويتعامل مع الحقائق الواقعة لا مع الصورة النمطية التي رسمها في مخيلته، وكان قبل ذلك قد أسهم هو في تشكيلها عن دول العالم الثالث من خلال عقود من الاحتلال للأرض ونهب للثروات وتقسيم لمكونات مجتمعاته وتشكيل لعقليات بناها وورثها دوره بعد أن خرج من تلك الدول فخلف حروباً ودماراً وفتن لم تنطفئ نارها حتى الآن. وعلى الغرب أن يتحمل مسئوليته التاريخية تجاه تلك الدول، لأجل تحقيق الاستقرار والتنمية فيها، وهي مسؤولية يفرضها تاريخ امتد فيه احتلال دول غربية لبعض من دول العالم الثالث لأكثر من ثلاثمائة سنة وخرجت منها تاركتها ترزح تحت نير الثالوث المدمر ( الفقر، الجهل والمرض).