12 سبتمبر 2025
تسجيلفي الحياة قد نقابل أحداثاً، ومشاهد، ومواقف، وصورة تذهلنا ليس لغرابتها الزاعقة فحسب، وإنما لخلوها من معاني النبل، والإنسانية، والوفاء! ولقد استوقفني كثيراً وجع صديقتي التي كانت تبكي، وتحكي عن صديقتها التي وافتها المنية فجأة وقد كانت ميسورة جداً، عايشت لحظاتها الأخيرة حتى الوصول إلى المقابر، أحزنها جدا حجم اللامبالاة التي قابل بها الأبناء نبأ وفاة أمهم، تقول بألم ودموعها تسبق كلامها لم ألمس لوعة وجع الفراق، لم أر دمعة واحدة للحزن تشي أن بالقلب ألماً أكبر، لم استشعر مرارة الوداع لا في كلمة ولا في همسة، ولا في أي تصرف وهم يدخلون ويخرجون وأمهم في سريرها راقدة في سلامها وصديقاتها من حولها يبكين! كانت وجوه الأبناء جامدة، صادمة، لا لم يكن جمود الاحتساب، ولا الرضا بقضاء الله، ولا التصبر الجميل، وإنما كان جمود الجحود في أبشع صوره، أما أمام المقبرة فقد كانت المهزلة والأم لم تزل مسجاة تنتظر حتى يجهزوا قبراً يواريها عن قبح المشهد برمته، ابن واربع بنات يقبرون الغالية التي طالما دللت، وربت، وكبّرت، وبذلت ما لا يعرفه غيرها، وقبل أن تذهب الأم إلى ربها وتترك خلفها عفنا لا يطاق، وخلفِة تعيسة لا تسر عدوا ولا حبيبا كان المشهد الصاعق فيه زوجة الابن تقول بأعلى صوتها دون خشية من أن يسمعها أحد (حنوقف في الشمس كتير)؟، ثم تنفخ وتعود لتقول لبعلها المحترم (دير بالك شوفلك مكان غير بيتي تسوي فيه العزا، ترى ما أبغى استقبل أحد، أنا صراحة بيتي جديد وتراب المجابر ما اسمح يدش بيتي!)، واعتدل الابن البار ليهدئ من عصبيتها ويقول لا تفكرين اللي تبينه بيصير)، لحظات على هذا الحوار الفاضح، ويندلع ما لا يتصوره إنسان، خناقة حامية بين البنات واحدة تقول للثانية (انتي بواجه، وين دهب أمي؟ وين فلوسها، وين كل اللي كان في كَبتها، وين راح؟ وين حجي اللي أكلتيه، وتتعدد الحوارات القميئة والأم المسجاة في أبيضها الممتقع خجلاً تنتظر لحظة الخلاص من أصوات الأحبة وهم يجلدونها بسياط النكران! أمام القبر مازالت أم ممددة، وناس يجتهدون في تسوية مسكن ابن آدم الأخير الضيق بعد الاتساع، المظلم بعد النور، الخالي من كل أنس إلا من أنس الله! أمام القبر صراخ ليس على الحبيبة التي ستغيب بالبرزخ وإنما على أنصبة الميراث، ستأخذ وسآخذ، أمام القبر شك، واتهامات، ومطالبات، وتخوين! سوى الناس القبر ثم اجتهدوا ليلفتوا نظر الأبناء الأعزاء لضرورة الدعاء للميتة بالتثبيت وتأجيل الخلافات، انتثر الأبناء حول القبر متثاقلين عيونهم سارحة فيما خلفت أمهم من خير، قلوبهم نافضة نفسها من أي وجع بل مشغولة بفرح ما سيصل إلى أرصدتهم العامرة وقد تركته المسكينة المسافرة إلى ربها، أقفل باب المقبرة على أغلى ما يمكن أن يفقده إنسان دون دمعة.. دمعة واحدة!مشهد لو تفرجنا عليه في فيلم أو مسلسل لقلنا مخرج يبالغ لكن يبدو أن مشاهد الحياة القاسية يمكن أن تتفوق على أي مخرج مهما أتقن عرض عوراتنا، وندوبنا، وقسوتنا، وخلاء أرواحنا من الوفاء، وقلوبنا من المروءة، ونفوسنا من البر! حتى الآن مازال قلبي متأثراً بدموع صديقتي التي عذبها مشهد العقوق الفظيع بكل فجاجته وقباحته وفظاعته، سرحت وخاطري يسألني ماذا لو أن الأم المسجاة قد عادت فجأة للحياة لتقول سمعتكم، سمعت كل قبحكم؟؟ *** طبقات فوق الهمس* اشطب من قلبك كل من أوجع قلبك فهو لا يستحق إلا أن يسقط من عينك، وقلبك، وذاكرتك.* إياك أن تقول ابني، أو صاحبي أو أختي أو صديقي فقد لا يلدغك إلا واحد من هؤلاء لدغة توصلك للقبر!* تأكد، لا العشرة، ولا السنوات، ولا الحب الذي كان يصنع حبيباً، إذ الإخلاص هو الفيصل.* افعل جميلاً ولو في غير موضعهإن الجميل لا يضيع بين الله والناس* تقول تحبني؟ مهر حبي إخلاص، ووفاء، ومروءة، ورد الظلم عني، وحفظ غيبتي، والعمل بقول الشاعر صديقي من يرد الشر عني، ويرمي بالعداوة من رماني.. فهمت يالحبيب؟* جميل قول الشاعر..وإذا أتتك مذمتي من ناقصفهي الشهادة لي بأني كامل