16 سبتمبر 2025

تسجيل

الإسلام حضارة واحدة أم حضارات؟

22 سبتمبر 2012

استوقفني حديث الرئيس الفرنسي عن الإسلام خلال افتتاحه قسم "فنون الإسلام " المخصص للآثار الإسلامية في متحف اللوفر في فرنسا الأسبوع الفائت، والذي شارك بتمويله كلّ من المغرب والسعودية والكويت وسلطنة عمان، حيث يشتمل القسم على ثلاثة آلاف قطعة فنية إسلامية. لاشك أن الحدث كان مناسباً ليتحدث الرئيس الفرنسي عن الإسلام، في وقت يعيش العالم الإسلامي حراكاً سياسياً واجتماعيا ًعلى وقع الفيلم المسيء للنبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم. يذهب هولند في تصوراته أن الإسلام ليس فيه حضارة واحدة أو ثقافة واحدة بل حضارات وثقافات مثل الحضارة المملوكية والأندلسية والفارسية والعثمانية. وهذه الحضارات هي أكثر حيوية وتسامحاً من بعض حاملي الفكر الإسلامي الذين يطرحونه على الشعوب والمجتمعات، واصفاً إياهم بالظلامية التي تهدم قيم الإسلام بما تحمله من حقد وعنف، متحدثاً عن "روابط ومراسلات لا تحصى بين أوروبا المسيحية والإسلام". ويخرج هولند بنظرية تقول "إن السلاح الأكثر فعالية لمواجهة ربط الإسلام بالتعصب يكمن في الإسلام نفسه، إن الحضارات ليست كتلا تصطدم ببعضها البعض، بل هي تلتقي وتتحاور فيما بينها كي تتقدم". ما يطرحه الرئيس الفرنسي فيه كثير من النقاط التي تحتاج إلى تمعن وتأمل، وهي إن لم تكن جديدة إذ سبقه كثير من المستشرقين لها إلاّ أنها قد تكون منطلقاً لمراجعة بعض مسلمات حركات الإسلام السياسي التي تنطلق أدبياتها الفكرية والسياسية من أن الإسلام صاحب حضارة واحدة وثقافة واحدة استطاعت أن تذيب الثقافات الخاصة بالمجتمعات التي دخلها الإسلام في بوتقة واحدة تسمى الحضارة الإسلامية التي عاشت في جميع الحقب التاريخية من الأمويين فالعباسيين فالمماليك وصولاً إلى العثمانيين قبل أن تنهار الخلافة الإسلامية مطلع القرن العشرين. ومن المعلوم أن مفهومي "الحضارة" و"الثقافة " غير منضبط علمياً، وهناك تعريفات عديدة لكل من المفهومين، والبعض يخلط بين "المدنية" و"الحضارة"، ولسنا هنا في وارد مناصرة تعريف على آخر، لكن يكفي القول إن عدم التوافق على مفهوم المصطلح يسقط الحجة في الاعتماد أو البناء عليه. وسأكتفي هنا في نقاش بعض موجبات المفهوم عند الإسلاميين أو تيارات الإسلام السياسي، إذ يغلب على ظني أن هؤلاء خلطوا بين الإسلام كمنظومة فكرية وبين تطبيق المسلمين لمفاهيمه في مراحله التاريخية، وكأن الحديث عن حضارات متعددة في الإسلام يستلزم التعدد في الدين ذاته، وهذا الربط ليس دقيقاً حيث يفترض التفريق بين الإسلام بما يشتمل عليه من قرآن وسنة صحيحة ثابتة وبين مفهوم جماعة وتطبيقها له في حقبة تاريخية ما، مثل حقبة الأمويين بما فيها من مدارس فكرية أو حقبة العباسيين أو غيرها، لأن حصر الإسلام ومفاهيمه بحدود مفهوم هذا الجيل أو ذاك يعني الحكم على الإسلام بالجمود أو القصور لأن الإنسان مهما بلغ من نضوج فكري سيبقى لمن جاء بعده القدرة على أن يكون أكثر نضجاً في حال بنى على من سبق من تجارب مضيفاً له تجاربه الخاصة. وبالتالي إن التفريق بين الإسلام وتطبيق جماعة له في حقبة تاريخية ما، يرفع الحرج عن الدين نفسه في حال أساءت هذه الجماعة تطبيقه، كما أنه يجعل النص محرراً من أي قيد سوى القيود التي وضعها الشارع كآليات لفهم النص ومقاربة مراده. وحين يتم الفصل بين الدين كنص سماوي وبين مفهوم حامليه يمكن الحديث حينها عن وجود حضارات في الإسلام وثقافات متعددة تولدت من المزج بين الإسلام بقيمه ومبادئه وبين الموروث الشعبي من عادات وتقاليد شكلت هوية المجتمع عبر تاريخه وميزته عن المجتمعات الأخرى، لكنها ليست متناقضة إذ جميعها تخرج من مشكاة واحدة هي الإسلام بما يحمله من تصورات للكون والحياة والإنسان. الإسلاميون وإن كانوا لا يتبنون طروحات صموئيل هنتجتون في صدام الحضارات إلا أنهم يعيشونها واقعاً في تعاطيهم مع غير المسلمين من أصحاب الديانات والمذاهب الفلسفية وهم يسقطونها على دول وقارات، ويبنون تصوراتهم اعتماداً على النص الديني مثل قوله تعالى "ليميز الخبيث من الطيب " أو قوله تعالى " بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه ". ولعل من فوائد الحديث عن حضارات متعددة حمل الإسلاميين على عدم تصنيف الغرب وشعوبه ودوله بأنهم أصحاب حضارة واحدة كما أن التمييز بين الحضارة والدين يسمح لأصحاب الديانات غير المسلمة داخل الدول الإسلامية أن تكون جزءا من الحضارة التي يحملونها.