31 أكتوبر 2025
تسجيلفي قمة بيروت عام 2002، قدمت الجامعة العربية مبادرة للتصالح مع إسرائيل، تنص على الاعتراف بدولة إسرائيلية تعيش جنباً إلى جنب دولة فلسطينية كاملة السيادة على حدود 1967. يتعهد العرب وفقاً للمبادرة بإقامة علاقات تطبيعية كاملة (اقتصادياً، سياسياً، ثقافياً) مع إسرائيل، بحيث تكون الأخيرة جزءاً من المحيط العربي. المبادرة العربية للسلام، كما وُصفت يومها، وتمسك بها العرب، وعلى أساسها تفاوض السلطة الفلسطينية اليوم، رفضها رئيس الحكومة ارئيل شارون مطلقاً عبارته الشهيرة بأنها لا تساوي الحبر التي كتبت فيه. المبادرة كانت فكرة سعودية، طرحها العامل السعودي الراحل الملك عبد الله حين كان ولياً للعهد. من ضمن ما قيل يومها: إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 شكلت إحراجاً كبيراً للسعودية أمام الإدارة الأمريكية التي كان المحافظون الجدد يديرونها إذ إن أغلب من نفذ وخطط ومول لتلك الهجمات، كان سعودي الجنسية. ثم جاءت اعترافات أسامة بن لادن زعيم تنظيم القاعدة مرفقة بلاءات جهادية " لن تنعم أمريكا بالأمن ما لم يعيشه أهلنا في فلسطين واقعا". أرادت العربية السعودية إظهار مرونة في ملف الصراع العربي - الإسرائيلي على قاعدة أن القضاء على التطرف الديني يكون بحلّ هذا الصراع، وأن العرب يملكون من الجرأة للقبول بأقل مما كان يرفضونه في العام 1948، حين رفضوا خطة أممية تنص على قيام دولة إسرائيلية على جزء صغير من فلسطين إلى جانب دولة فلسطينية عربية على أغلب مساحة فلسطين التاريخية. المبادرة العربية لم تكن أول طرح عربي لحل القضية الفلسطينية. سبقتها اتفاقيات أوسلو مطلع التسعينات حين قبلت حكومة إسحاق رابين العمالية بدولة فلسطينية في غزة والضفة الغربية تتم على مراحل تنتهي بإقامة دولة مستقلة. لكن اغتيال رابين، ومجيء الليكود مكن إسرائيل من التنصل من اتفاقاتها السابقة، وأجهض مشروع السلام العربي الإسرائيلي. وهكذا عند كل أزمة تضرب الشرق الأوسط، تُطرح حلول للصراع العربي الإسرائيلي. لكن المفارقة اليوم أن الأزمات، التي تضرب العالم العربي والمنطقة كلها، وهي أزمات عديدة وليست أزمة واحدة، كما أن المتضررين منها كلّ الدولة في الإقليم وليس بضع منها لم تستدع اجتراح أفكار جديدة للصراع مع إسرائيل. وهذا مؤشر يشي بتراجع أهمية القضية الفلسطينية عند صانع القرار العربي، وكذلك عند المجتمع الدولي. فالإرهاب والتطرف الديني، وتشكيل المحاور تحت مسميات براقة هو من يرسم خارطة الصراع ومدايات حدوده في المنطقة. المبادرة العربية للسلام التي لم يجن منها العرب أي نفع، ورفضها الإسرائيلي بالمطلق أصبحت أساسا في أي مفاوضات بحيث لم يعد من حق الفلسطيني المطالبة بأكثر من ذلك وإلا اعتبر متطرفاً وخارج عن الشرعية الدولية. وبهذا تُوصف اليوم حركات المقاومة الفلسطينية الرافضة لاتفاقيات أوسلو وما ترتب عليها من ملاحق. إشكالية المقاومة الفلسطينية المسلحة أن ثوابتها التاريخية انتهت محط انتقاد من النظام العربي الرسمي بما فيه جامعة الدول العربية التي اقتصر اعترافها على السلطة الفلسطينية ممثلا وحيداً للشعب الفلسطيني بعد إقصاء عملي لمنظمة التحرير التي هيمن عليها قيادة السلطة الحالية. وأضحت كرة الاختلاف والتناحر العربي - العربي أو العربي الإقليمي (التركي –الإيراني) تدوس ذهاباً وإيابا على جمجمة المقاومة لمّا يقذفها طرف لآخر. واستقرت القضية الفلسطينية مغيبة في أدراج الملفات الدولية العالقة إلى حين. وتحولت المقاومة التي كان أحرى بالعرب دعمها كورقة للتفاوض عبئا على النظام العربي الرسمي. وتقوم حالياً دول عربية بمحاصرتها أكثر مما تقوم إسرائيل تحت ذرائع متعددة. لا شك أن المقاومة الفلسطينية تدفع ثمنا كبيراً نتيجة التحولات التي ضربت العالم العربي منذ شرارة ثورة البوعزيزي في تونس. ولا شك أيضا، أنها أخطأت في بعض توجهاتها السياسية أو استعجلت تقييمها لمسار الثورات ومآلاتها، وانتهى بها الأمر معزولة في خندق داخل قطاع محاصر من السماء والأرض والبحر وهي تسعى جاهدة للخروج منه. يحكى اليوم عن مفاوضات غير مباشرة بين حماس وإسرائيل لفك الحصار عن القطاع بوساطة توني بلير مبعوث الرباعية السابق لحل القضية الفلسطينية، سهام النقد لحماس كبير، كما أن حجم القلق داخلها تجاه اتخاذ أيّ قرار ضخم، لكن كلما تقدم الزمن كلما ضاقت خيارات الحركة، ولابد من مواقف حاسمة حتى لو استدعى الأمر تحولات فكرية، طالما أن البوصلة هي استعادة ما تبقى من الحق الفلسطيني.