19 سبتمبر 2025

تسجيل

المأزق السياسي والأمني في تركيا

22 أغسطس 2015

من أي زاوية نظرنا إلى تركيا اليوم فإنها في وضع لا يحسدها عليه أحد. وفي الواقع أن هذا المأزق السياسي والأمني والعسكري ليس ابن اللحظة أو حتى السنة الجارية، بل هو مسار بدأ منذ أن تحولت تركيا إلى طرف في الصراعات الإقليمية والدولية، ولاسيَّما في أزمتي سوريا ومصر بعدما كانت تنسج أفضل العلاقات مع كل الدول دون استثناء جامعة التناقضات وموصلة بين المتعارضين. لقد بدأ مسار التحسس بأن تركيا ذاهبة إلى أوضاع جديدة، خلاف ما كانت عليه، منذ حراك "تقسيم – غيزي" عام 2013 ومن ثم في انفجار الخلاف وما رافقه من تصفيات بين حزب العدالة والتنمية بزعامة رجب طيب أردوغان والزعيم الإسلامي فتح الله جولن. ولعل انتخابات السابع من يونيو الماضي كانت بمثابة مفترق طرق في الذهاب بسرعة إلى أزمة عميقة تطال كل المستويات في تركيا. ففشل حزب العدالة والتنمية في الاحتفاظ منفردا بالسلطة بعد تلك الانتخابات أدخل عاملا جديدا لم يكن موجودا على امتداد 13 عاما من سلطة حزب العدالة والتنمية. لقد تعود حزب العدالة والتنمية على حسم قرارات تركيا في الداخل والخارج دون أن يتشارك فيها ولو بالاستشارة مع المعارضة وحكم كما لو أنه ليس هناك أحد غيره في تركيا. وعندما ظهرت نتائج الانتخابات لم يستطع حزب العدالة والتنمية أن يخرج من "عادة" اتخاذ القرارات بمفرده وبان أنه يحتاج إلى وقت قد يكون طويلا لكي يدرك أن هناك شركاء غيره في البلاد. كان الحزب مضطرا لكي يستطيع تشكيل حكومة جديدة، أن يأتلف مع أحد أحزاب المعارضة، لأنه فقد الغالبية المطلقة في البرلمان، أي النصف زائد واحد. ولكن للشراكة في الحكومة لابد من تنازلات وتقاسم المصالح. وبدا صعبا على أردوغان وداود أوغلو أن يتخليا عن بعض مكاسبهما في السلطة، لذا فإن جولات داود أوغلو المكلف بتشكيل الحكومة الجديدة أولا مع حزب الشعب الجمهوري وثانيا مع حزب الحركة القومية لم تسفر عن نتيجة، لأن لحزبي المعارضة شروطا هي من صميم لعبة التشارك في حكومة واحدة، إذ من غير المنطقي أن يدخل أحد أحزاب المعارضة في حكومة بشروط حزب العدالة والتنمية ليتحول إلى مجرد ديكور وممر لاستمرار تفرد الأخير بالقرار. رفض داود أوغلو لمطالب المعارضة أو حتى بعضها كان يعكس عدم قدرة حزب العدالة والتنمية على الخروج من الذهنية التي تتحكم به. في ظل انقسام المعارضة واستحالة تأليف حكومة جديدة فيما بينها أيضا، فإن البلاد كانت تدخل في مأزق سياسي يرى أردوغان أن انتخابات مبكرة وحدها التي تخرج البلاد من هذا المأزق. ربما يكون ذلك من الوهلة الأولى، لكن المشكلة في تركيا أنها باتت أكبر من عودة حزب العدالة والتنمية إلى السلطة منفردا بأصوات قليلة قد تتحقق وقد لا تتحقق. فمن العوامل التي لم تكن سابقا هو انفجار العنف العسكري بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني في المناطق الكردية وفي المدن، بحيث لا تبدو المعارك أنها ظرفية أو متصلة فقط بنتائج الانتخابات. إذ إن انفجارها بعد 3 سنوات من المفاوضات والآمال بين الدولة والأكراد، يعني أن مرحلة جديدة من تاريخ تركيا قد بدأت ولن تكون أقل شبها مما حصل في شمال العراق أو شمال سوريا. كذلك فإن انسحاب الولايات المتحدة وألمانيا من منظومة صواريخ باتريوت في تركيا احتجاجا من ألمانيا على الحرب ضد الأكراد ومن واشنطن على أساس أنه لم يعد هناك من تهديدات من جانب سوريا، يحمل الكثير من المعاني التي تعيد صوغ العلاقة ليس بين هذه العواصم وتركيا، بل بينها وبين أردوغان بالذات. واستمرار تراجع المؤشرات الاقتصادية ومنها التدهور الكبير في سعر صرف الليرة التركية تجاه الدولار ومنها تراجع عدد السائحين والداخل السياحي بسبب التوترات الأمنية، ومنها تراجع حجم التجارة الخارجية وما إلى ذلك، يضع تركيا برأينا أمام تحديات غير مسبوقة لن تكون انتخابات مبكرة محتملة في الخريف المقبل، هي العنوان الصحيح أو الوحيد لمواجهتها والخروج منها. لقد تراكمت أسباب كثيرة على امتداد السنوات الماضية ولاسيَّما الثلاث الأخيرة، كافية لتضع المسؤولين أمام مسؤوليات تاريخية لابد من تحملها لوقف المسار الدموي والمأزق السياسي، وبحيث لا تنفع حسابات سياسية محلية ضيقة في وقفها.