18 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لم يعرف التاريخ البشري مهراً أعلى ولا أغلى من مهر المرأة الذي كان تعليم زوجها لها سور من القرآن، حيث زوّجه النبي صلى الله عليه وسلم إياها، على ما معه من القرآن، ولأن الحرف من القرآن لا تعدله كنوز الدنيا فقد اعتبر هذا المهر من هذا الصحابي الفقير المعسر أغلى وأعلى ما يمكن أن يدفع للمرأة من مهر. وهذا ما روته كتب السنة كما جاء في صحيح البخاري عن سهل بن سعد، قال: أتت النبي صلى الله عليه وسلم امرأة، فقالت: إنها قد وهبت نفسها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، فقال: "ما لي في النساء من حاجة"، فقال رجل: زوجنيها، قال: "أعطها ثوبا"، قال: لا أجد، قال: "أعطها ولو خاتما من حديد"، فاعتل له – أي تعلل أنه لم يجده - فقال: "ما معك من القرآن؟" قال: كذا وكذا، قال: "فقد زوجتكها بما معك من القرآن". قال الزرقاني في شرحه على موطأ مالك: "له معنيان: الأول: قد زوجتكها فعلمها ما معك من القرآن. والثاني: زوجتكها تقديراً لما معك من القرآن". قد يقول البعض: إن هذه حالات حدثت في عهد النبوة ويصعب تكرارها في زماننا، حتى قرأت خبرا أسعدني، وهو الذي أعادني بالذاكرة إلى هذه الواقعة التي وردت في كتب السنة، حيث طلب والد عروس أردنية مهراً لتزويج ابنته قوامه "مليون صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم"، وقال: إن المهر المؤخر المطلوب هو "مليون أخرى" وأصر الأب الأردني على تدوين هذا المهر في عقد الزواج كما يقول الخبر، دون أن يحمل العريس أي تكاليف مالية. وفي الحديث الذي رواه أحمد بسنده عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من صلى علي مرة واحدة، كتب الله عز وجل له بها عشر حسنات". ومليون صلاة على النبي تعني عشرة ملايين حسنة بحساب السنة تدخل في رصيد هذه الزوجة، وهذا يعد من أغلى المهور في تقدير أهل الإيمان. وتتبعت الخبر، وقلت لعل العريس فقير، وأراد والد العروس أن ييسر عليه، أو أن العروس من أسرة فقيرة ولا يريد أهلها أن يشترطوا، فوجدت أن العريس من حملة الماجستير من ميسوري الحال، وأن العروس في السنة النهائية بكلية الطب وتسكن في قلب العاصمة الأردنية عمان. ولم أجد تفسيرا لما فعله الرجل إلا أنه من أهل الصلاح، وأنه ارتضى دين الخاطب فزوجه، عملا بالتوجيه النبوي: "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه"، وأنه يفهم جيدا معنى الزواج، على أنه نفس مؤمنة لنفس مؤمنة، وأن الزوجين ارتضيا أن يعيشا بالإسلام، ويحتكما إليه، وأن قناعتهما أن السعادة الحقة تنبع من القلوب الراضية، والنفوس المطمئنة، المرتبطة بالله، والمهتدية بسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وهي كذلك تنبع من داخل الإنسان، لا من خارجه، حتى ولو كان يملك كنوز الدنيا، فإنها لا تصنع له سعادة إذا لم تنبع من داخله، أو كما عبر الحطيئة الشاعر المخضرم عن ذلك فقال: ولست أرى السعادة جمع مال *** ولكن التقي هو السعيد أتصور أن علاقة زوجية تنشأ على هذا المعاني الإيمانية ستكون - بحق - ناجحة، وأن أسرة تقام على هذا الأساس ستعيش – يقينا - سعيدة، وأتصور أن الزوج لو غضب يوما ما على زوجته سيكون أعظم مسكن لغضبه هو الصلاة على النبي، التي كانت فاتحة الخير، ومبدأ الاجتماع، ورابطة القلوب، وجامعة الشمل، وكذلك الزوجة إذا غضبت سيذكرها زوجها بأن تصلي على النبي لكي تهدأ نفسها، وسيكون من المفاخر التي يمكن أن تتحدث بها الزوجة فيما بعد أن المهر الذي اشترط لزواجها هو مليون صلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، تروي ذلك للأبناء والأحفاد، ولها كل الحق أن تفخر وتسعد بهذا، كما كانت تفخر أم المؤمنين السيدة زينب بنت جحش على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم، بأن الذي زوجها هو رب العزة كما جاء في صحيح البخاري تقول: "زوجكن أهاليكن، وزوجني الله تعالى من فوق سبع سموات"، وذلك في قوله تعالى: "فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا" الأحزاب 37. وسيكون من المآثر التي يمتن بها هذا الزوج على أولاده، والمناقب التي يعددها على مسامعهم أن مهر أمهم كان مكرمة إيمانية تقدر بمليون صلاة على النبي، كما امتن الأعرابي قديما على أولاده باختياره أما صالحة لهم بقوله: وأول إحساني إليكم تخيري لماجدة الأعراق باد عفافها قد يفسر البعض موقف الأب على أنه "دروشة" زائدة عن الحد، أو أن مثل هذا السلوك في المهر "موضة قديمة" لا تصلح لزماننا، أو أن ذلك "تكلف" و"نشاز" في عصر أصبح الضمانة الأسرية في عرف الناس السائد تسجيل "قائمة"، وكتابة "مقدم ومؤخر" يضمن حق الفتاة، ويصون مستقبلها عند الخلاف، دون الأخذ بالاعتبار أن الضمانة الحقيقية لصون حقوق الزوجة تكمن في دين الرجل وخلقه، قد يفسر البعض الواقعة على هذا النحو، ولكن المؤكد تفسيره عند الكثيرين أن مثل هذه النماذج، تعيد للأمة سيرتها الأولى، وتسهل على المعاصرين استيعاب تصرفات الأولين، فما كان يستصعبه البعض في مواقف السابقين، ويظن أن هذا حدث من قبل ولن يتكرر، فها هو يرى ذلك واقعا عمليا في الحياة، ويعلم ويوقن أن القرآن الكريم الذي شكل هذه النماذج الفريدة من قبل في عصر الرسالة موجود بيننا، ويمكن أن يشكل في الحاضر أيضا – لو اتخذناه دستورا لنا في حياتنا - جيلا يتقارب في الخلق والمواقف والسيرة مع من رباهم النبي، وشاهدوا التنزيل، وعاصروا الوحي.