01 نوفمبر 2025
تسجيلإن محاولة دراسة المساعدات الامريكية للجيش المصري كالوقوع في شباك العنكبوت، فكلما حاولت ان تفك طلسما وقعت في اخر، فهو امر متشابك معقد متعدد الأوجه والآراء بشكل يصعب فهمه. الجيش المصري هو اقوى جيش في القارة الافريقية ويحتل الرقم 11 على مستوى جيوش العالم، ولكنه كما يقول البروفيسور روبرت سبرنغبورغ الاستاذ في المدرسة البحرية للدراسات العليا في مونتري كاليفورنيا في مقاله المنشور في صحيفة الاندبندت البريطانية بتاريخ 12 فبراير 2011، وهو بالمناسبة من افضل التحليلات التي قرأتها عن المؤسسة العسكرية المصرية واكثرها واقعية. يقول سبرنغبورع: "ان الهياكل الداخلية للمؤسسة العسكرية تكذب دورها في تشكيل مصر الحديثة، فالواقع هو عكس الرسالة التي استطاعت القوات المسلحة ايصالها لوعي المواطن المصري من خلال المتاحف العسكرية والمناهج الدراسية التي تمجد دور القوات المسلحة ووسائل الاعلام التي تتحدث عن دوره بشكل استعراضي. ثم يواصل، لا يستطيع احد ممن هو في المعارضة ان ينتقد دور الجيش بشكل علني، ليس لان هذا النقد خط احمر لا يحق لاحد اجتيازه من قبل الحكومة، بل لان هذا النقد لن يجد له صدى في اوساط المصريين ايضا.. فالجيش يستخدم مصانعه وامكنياته لانتاج الكثير من المواد الاستهلاكية المدنية التي تباع في الاسواق بدون أن تورد ارقام مبيعاتها في موازنة الدولة.. وليس هناك أي بند في الدستور أو في التشريعات المصرية يسمح لأي نوع من الرقابة على الجيش". انتهى. إن المؤسسة العسكرية المصرية ليست الوحيدة التي نجحت في تشكيل هالة من القدسية حول نفسها ورجالاتها، بل ان هناك من سبقها الى ذلك، فالعسكرية التركية سابقا فعلت الشيء ذاته وكذلك الباكستانية والاندونيسية والروسية، ولكن ما يجمع بين كل هذه المؤسسات انها سيطرت على الدولة بطرق متعددة ونخرت في هياكلها الاقتصادية والسياسية حتى اوصلتها الى جرف هار بتعليقها المشانق للمعارضين خوفا الى مكتسباتها ، وفي النهاية تحجم دور المؤسسة العسكرية في هذه الدول و تركت خلفها ارثا ثقيلا و ظلما كثيرا يصعب على من جاء بعدهم التخلص منه . ينص البند P.L. 112-74 في القانون الامريكي صراحة على وقف الدعم عن أي دولة يحصل فيها انقلاب عسكري على حكومة منتخبة ، ولكن الغريب ان هذا القانون لايطبق على كل المساعدات فهناك صندوقان تستطيع بهما الحكومة الاميريكة ايصال المساعدات لأي دولة مهما كان نظامها قاسيا ودمويا هما .. السيطرة الدولية على المخدرات وفرض القانون : والذي كما هو من اسمه له معنى واسع مخادع ، فقد تستطيع ان تفصل التعريف الطويل هذا ليكون المخدرات أو فرض القانون ، و لكليهما معنى مختلف ، فهل دعم نظام السيسي يدخل تحت فرض القانون مثلا !! أما الصندوق الآخر فهو منع الانتشار النووي، ومكافحة الإرهاب، وإزالة الألغام، وبرامج ذات صلة : فهو ايضا يحمل عدة معان تستطيع ان الادارة الامريكية ان ارادت ان تحتال من خلاله لايصال المساعدات الى اي نظام دموي ان كان هناك مصلحة في فعل ذلك ، فقد يكون دعم نظام السيسي يدخل تحت دعم الارهاب أو قد يدخل تحت برامج ذات صلة !! ما يهمنا في الامر برمته أن الادارة الأمريكية لم تعترف حتى الان بأن ما حصل في مصر انقلاب، ومازالت تعليقات المسؤولين الامريكان تتهرب من هذ الاعتراف بكل الكلمات المتاحة في القاموس الانجليزي ، وليس علينا سوى قراءة جواب السيد جي كارني السكرتير الصحفي للبيت الابيض بتاريخ 8 يوليو 2013 حين سأله صحفي عن موقف الادارة الامريكية من الانقلاب في مصر ، ثم جواب السيد جون كيري وزير الخارجية الامريكية في 17 يوليو 2013 حين سئل عن نفس الموضوع ، لم أجرؤ على ترجمة الردين نظرا لتعقد الرد باللغة الانجليزية اصلا ، وترجمته إلى العربية ستكون عبارة عن كلمات و جمل لا تعطي معنى للمستمع والقارئ . من الواضح ان البراغماتية الامريكية وصلت الى اقصى مستواها في التعامل مع الانقلاب المصري ، فهي تتلاعب بالمصطلحات لكسب الوقت وللتعامل مع نظام السيسي الدموي الذي يعمل بكل امكانياته العسكرية والإعلامية للسيطرة على الوضع في القاهرة و بقية المحافظات قبل ان يخسر معركته مع الوقت والدم ، وحتى ان قررت واشنطن الاعتراف باالانقلاب و أعلنت انها ستوقف المساعدات عنه فإن هناك الصناديق التي سبق وان ذكرناها والتي تستطيع ان تفتحها لتخرج مخزونها له وقت الحاجة بدون تبرير ذلك قانونيا للكونغرس ، فالإرهاب تعريف مطاط تستطيع واشنطن أو المنظمات الدولة توجيهه لكل نظام أو اشخاص يتعارض فكرهم أو توجههم أو أهدافهم مع السياسة الامريكية ، وقد يكون في هذا المقام الإخوان المسلمين أو المطالبون بعودة الشرعية او حتى الرئيس المنتخب شرعيا محمد مرسي نفسه . بقي أن نعرف أن القوات المسلحة المصرية ستستلم مخصصاتها من الادارة الامريكية والتي تشكل ربع المعونات العسكرية الامريكية المخصصة للعالم حتى يستطيع هذا العملاق العسكري والمالي الحياة ، فبدون هذه المساعدات سيجد الجيش المصري نفسه في حالة انهيار اقتصادي شبه تام، ولذلك يعرف العالم بأن الولايات المتحدة الامريكية تؤيد الانقلاب، لأنها أن قررت وقف المساعدات فإن الجيش المصري لن يفي بأبسط التزاماته . ولكن أين تذهب هذه المساعدات ؟ و كيف يستطيع كبار ضباط الجيش المصري الاستفادة منها ؟ يملك الجيش نظاما اقتصاديا منوعا غير خاضع لرقابة الدولة وبعيد عن المساءلة ، استطاع من خلاله تجاوز النظام الرقابي للجيش الأمريكي من خلال استحداث تعقيدات و تقديم التزامات لاتنفذ حال استلام المبالغ ، فمثلا : هناك تشكيلة عريضة من الأدوات الاستهلاكية والكهربائية التي تباع في الاسواق من نتاج المصانع العسكرية والتي تم تمويلها في الاصل لانتاج أسلحة للجيش المصري ، ولكن قرر كبار الضباط تحويلها الى انتاج مدني للاستفادة المادية منها، ففي دفاتر المراقبين الماليين الأمريكان هي مصانع عسكرية ولكنها في حقيقتها هي غير ذلك أبدا . وهناك أسطول صغير من تسع طائرات نوع جت ستريم تبلغ كلفتها اكثر من 333 مليون دولار في خدمة كبار ضباط القوات المسلحة وعوائلهم تم شراؤها على أساس انها طائرات مراقبة للحدود المصرية ولكنها بالتأكيد لاتقوم بذلك حين يكون على متنها كبار الشخصيات وحاشيتهم ، وقد كثرت شكاوي بعض ضباط الارتباط الامريكان الذين اكتشفوا ذلك و رفعوا تقاريرهم للادارة الامريكية التي غضت الطرف عن هذه التجاوزات ، فإبقاء كبار ضباط القوات المصرية في حالة من الرضا خير من أغضابهم . وهناك أيضا المستشفى الذي موله دافع الضرائب الامريكي و الذي يقع على بعد 45 دقيقة على الشرق من القاهرة بارتفاع ستة طوابق وبمواجهة زجاجية و حدائق غناء و الذي يعتبر جنة في المنطقة التي يقع فيها ، فقد دفعت أمريكا حوالي 163 مليون دولار لانشائه على أساس أنه مستشفى للقوات المسلحة، ولكنه تحول إلى شيء غير ذلك بعد أن تم الانتهاء منه ، وهو مستشفى راق لا يحلم أي ضابط متوسط أو صغير دع عنك اصحاب الرتب الأخرى من الدخول عبر بوابته التي تحرس بشكل مشدد ، لقد أعلن موقع القوات المسلحة مؤخرا عن انشاء اجنحة ملكية فيه لخدمة من يستطيع ان يدفع من المرضى ، فقد اصبح هذا المستشفى منتجعا صحيا للأثرياء و محرما على افراد القوات المسلحة ، وقد علمت الادارة الامريكية ايضا بذلك و لكنها لم تفعل شيئا يذكر حيال الأمر . إن المساعدات العسكرية الأمريكة للقوات المسلحة المصرية تبلغ حوالي 1.3 مليار دولار أمريكي استطاع كبار ضباط القوات المسلحة المصرية استخدامها لانشاء امبراطورية مالية متعددة لا يستطيع المواطن المصري العادي الوصول إلى خدماتها ، ومع ذلك فإن جيشا مصريا فاسد ماليا قد يكون أفضل من جيش مصري يصنع سلاحه كما كان يتمنى الرئيس مرسي .