27 أكتوبر 2025

تسجيل

الإخوان المسلمون ومصر .. إلى أين ؟

22 أغسطس 2013

بعد الانقلاب على الثورة في مصر، وما تبعته من أحداث واعتداءات تقع على الإخوان وحلفائهم، وخطاب قائد الانقلاب أمام ضباطه، واللغة التي استخدمها واستعار فيها خطابا دينيا وعاطفيا وغيبيا، لتزكية نفسه وانقلابه وتغسيل دمويته، وتشويه صورة الإخوان.. ورغم أن الناس لا يصدقون هذا الانقلابي، الذي يرونه في صورة الغادر لرئيسه، المنقلب على دستور بلده، الحانث بالقسم الذي أقسمه على الإخلاص لوطنه.. الناس – وأنا منهم – يجول في ذهني سؤال موضوعي استيضاحي؛ هل أخطأ الإخوان أو هل بالفعل أضاعوا فرصا كثيرة؟ وهل كان عليهم أن يفعلوا شيئا لم يفعلوه؟ ثم إلى أين تتجه الأمور؟ في ظل قناعة الإخوان تاريخيا بالمظلومية ووطنيا بالشرعية والتعاطف والتأييد، وعربيا في سياق ثورات متفجرة ونماذج عنف، نجحت في تغيير كامل لنظام القذافي الذي هو أقسى نظام عربي، ونجحت في إخضاع إرادة النظام السوري الذي لا يقل سوءا وفجورا وقساوة، حتى جعلته يتبرع بالمبادرات ويقدم التنازلات.. وأقول: أما من حيث الأخطاء فللإخوان أخطاء، كما لخصومهم أيضا أخطاء؛ غير أن أخطاء الإخوان ليست من جنس ما حاول ذلك الغادر إقناع سامعيه ومعجبيه به.. هي أخطاء لكنها (يصح نسبها لحسن النية)؛ أخطاء في إدارة العلاقات مع الخصوم والمنافسين الذين كانوا دائما يحاولون ابتزازهم كثمن لها، قبل الانقسام وبعده؛ ولكن أخطاء الإخوان هذه - إن شئنا أن نحددها أكثر – تنحصر في مكانين اثنين تحديدا؛ هما 1- إحسان الظن في رفقاء الثورة من تلك الاتجاهات والاعتقاد بأنهم على قدر من الضمانة والوعي، بحيث لا يفرطون فيها تحت اعتبارات التنافس أو الخلاف الأيديولوجي أو المصالح 2- الغفلة عن معادلات الجيش والأجهزة الأمنية وعن ارتباطهما بالخارج من ناحية وبالنظام القديم والنفوس المريضة والمال الفاسد من ناحية أخرى، ثم قدرتهما على استقطاب الخصوم، وعلى إعادة توزيع الخارطة الحزبية على أسس نظام الساقط مبارك..  لذلك اتجه الإخوان إلى صندوق الاقتراع بكل إمكاناتهم، وأحيانا لم يراعوا الرضا بينهم وبين بعض حلفائهم الذين صاروا خصوما فيما بعد.. هذه الأخطاء - ودون التقليل من خطيئتها أو انتقادها - لا تعتبر في الحيوات الحزبية العالمية أخطاء، إذا قسناها بحيوات الأحزاب وبالخصومات السياسية في كل دول العالم الحر الذي يرفل بالديمقراطية.. هي أيضا ليست أخطاء في مقابل بالمقارنة مع ما فعله ويفعله بل ما يجرمه خصومهم، سواء في حق الرأي العام الذي يحتقرونه، أو في حق الديمقراطية التي ينقلبون عليها، أو في حق الدولة المدنية التي يسقطونها، أو في حق الوطن الذي باتوا يرهنونه للعنف والجريمة والبلطجة، أو في حق مصر التي يخضعونها بكل تاريخها وبكل السبعة آلاف سنة من الحضارة الدولة المنظمة لنظم بلهاء متخلفة، طارئة على الحالة الإقليمية، ويدخلون في شؤونها الداخلية الأجنبي الخبيث.. وإذن؛ فهل تستوي الأخطاء؟  بناء عليه فإن الرأي العام لم ير خصوم الإخوان في يوم على أسوأ مما يرونهم عليه اليوم؛ من انقسام، ومؤامرات، وخيانة وطنية، وولاء للأعداء، وتردد، وخوف، وفضائح، وارتجاعات، وتحالف مع الفساد والاستبداد، ودموية، وفشل، وانقلاب على صندوق الاقتراع، وذيلية لدول متخلفة.. بقدر ما لم ير الرأي العام الإخوان في يوم على أحسن مما يراهم عليه الآن: من شرعية، ورمزية، وديمقراطية، وسلمية، وجماهيرية، ونقاء، ووطنية، وتماسك، وقرب من الله تعالى، وشهرة ملء السمع والبصر، وثقة، وقوة حجة.. لكن قصير النظر فقط هو الذي لا يرى ذلك..  بقي أن مما يطمئن النفس في حال الإخوان بعد كل ما جرى حتى الآن، وبالنظر لحجم تنظيمهم وقدراتهم، ورغم اعتقال الرجل الأول في جماعتهم؛ ورغم مؤيدات ومؤهلات الاتجاه للعنف، هو أنهم يؤكدون في كل مناسبة وعلى كل منبر وبعد كل مظلمة بأنهم لا يزالون يعتقدون أن الديمقراطية والانتشار الشعبي هو الساحة التي لن يتزحزحوا عنها، ولن ينجروا لغيرها، وأن السلمية فقط هي التي ستضمن لهم مزيدا من التفوق والانتشار وتفويت انتهازية الخصوم.. ذلك يؤكد فهمهم لقيمة الأوطان ولضرورة عدم الغرق في حروب أهلية تقسمها وتصرف عن الهم الأساس..  آخر القول: الإخوان بشر ككل البشر، ولهم حق الاجتهاد والصواب والخطأ، وما يتعرضون له اليوم لن يكون نهاية التاريخ.. ولقد قاموا بما كان عليهم أن يقوموا به، وأصروا على ما كان يجب أن يصروا عليه، وجسدوا أبرز وأجلى معاني السلمية والشعبية والوطنية، وأجلى قيم الصمود والتضحية والانسجام الداخلي.. أيا كانت النتائج التي بالتأكيد لن تقف عند الانقلاب الذي هو محنة تكاد تفرج وهم يكاد يزول..