20 سبتمبر 2025
تسجيلاعتز بعروبته وأحس بهموم أمته ولحن نشيد قطر الوطني فترجم الإحساس لحنا لا يمكن لنا أن ننسى هذه الشخصية الفذة التي أخلصت في رسالتها الفنية إطلاق اسمه على إحدى الأكاديميات الموسيقية بات مطلوبا لتخليد ذكراه سنتان على غياب الموسيقار العبقري عبدالعزيز ناصر (1952 - 2016) .. هذه الشخصية الفذة التي أعطت الكثير لأمتها وتناولت العديد من القضايا والمجالات في فن التلحين الذي برع فيه (رحمه الله) .. فخلد لنا أجمل وأعذب الألحان الموسيقية في وقت قل فيه عدد المبدعين القطريين والعرب خلال عصره .. وقدم الفقيد الراحل فنه لكل العرب والعالم حيث كان يؤمن برسالته الخالدة دفاعا عن قضايا الإنسان والإنسانية . رحل عنا عبدالعزيز ناصر في صيف عام 2016 م عن عمر ناهز (64) سنة .. وترك لوطنه وأمته العربية والإنسان في العالم مجموعة من الألحان التي قدمها من خلال الفترة التي عاشها طوال فترة العقود الخمسة التي بزغ فيها فجره في فن التلحين مع منتصف ستينيات القرن الماضي من خلال فرقة الأضواء الموسيقية والمسرحية التي قادها منذ سنة 1966 م وهو في سن الرابعة عشرة من عمره في حي الجسرة بمدينة الدوحة العاصمة .. وإن كانت بوادر النشأة للفرقة قد بدأت قبل ذلك بسنة أو سنتين كما يقول المقربون من عبدالعزيز ناصر . البدايات التي لا تنسى كان الموسيقار عبدالعزيز ناصر موهوبا في فن التلحين كما كان يجيد الغناء صغيرا.. وظهرت بوادر عبقريته الفنية منذ نعومة اظفاره .. حيث كان كثير التعلق بالموسيقى والآلات الموسيقية منذ وجوده في المدرسة الابتدائية وتطور هذا الحس من خلال اختلاطه ببعض الاصدقاء في حي الجسرة الذي عاش فيه في وقت كان فيه الفن يعد من المحرمات .. حيث غدا الكثير من رجال المجتمع يتحفظ على ممارسته أو إحيائه في الأماكن العامة .. ولهذا كانت هناك بعض المبادرات الشخصية التي تجاوزت هذا الشيء وأسست بعض دور الطرب الشعبي في الخفاء .. فقد انتشرت هذه الدور في بعض البيوت الخاصة في تلك الفترة سواء في الدوحة او خارجها منذ الاربعينيات كما تقول المصادر ، وكان مقرها في الدوحة والوكرة وشمال قطر على وجه الخصوص .. وبدأ عبدالعزيز ناصر رحلته مع تأسيس " فرقة الأضواء " التي كانت له بمثابة المحرك الأول لأشجانه وصقل إبداعاته وموهبته الموسيقية للسير في هذا الطريق الذي اختاره بحرية ورغبة منه لمواصلة مشواره الذي برز بعد سنوات من تقديم الألحان المبهرة والجميلة التي ساهمت في الارتقاء بالمشهد الموسيقي في قطر ومن ثم وصل بعدها إلى دول الجوار ومنها انطلق إلى المحيط العربي . القاهرة محطته الثانية لعل ذهابه إلى " قاهرة المعز " في بداية سبعينيات القرن الماضي كانت مرحلة الانطلاقة نحو الإبداع من خلال جمعه بين الجانين النظري والتطبيقي في الموسيقى .. فما أجمل أن يجمع الموهوب بين دراسة الموسيقى ويتعرف على اصولها وانواعها ومفاتيحها ثم يقوم بعد ذلك بتطبيق ما درسه عمليا .. حيث التقت موهبته الموسيقية من خلال ذلك عبر ألحانه الراقية التي كانت في السبعينيات تشير إشارة واضحة لظهور فنان مبدع ينطلق من قطر ويهدي ألحانه إلى كل القطريين والخليجيين ومن ثم إلى العرب .. وقد شجعه على ذلك وجود احد الشعراء الذين برعوا في كتابة الأغنية الوطنية والعاطفية والدينية في بداية مشوار حياته .. حيث ظهر مرزوق بشير وعبدالله الجابر وعبدالرحمن المناعي وحسن المهندي من قطر .. ثم واصل دربه مع تلحين أشعار بعض فطاحل الشعر العربي الفصيح في الوطن العربي الذين كتبوا للأمة وقضاياها وهمومها الني كانت سائدة في تلك الفترة حيث لمع فيها نحم الموسيقار عبدالعزيز ناصر .. فلحن – رحمه الله - لنزار قباني وهارون هاشم رشيد وغسان كنفاني واحمد ين يوسف الجابر ومبارك بن سيف آل ثاني وحسن نعمة .. وغيرهم . ألحانه للتراث والوطن أبدع عبدالعزيز في ألحانه الرائعة مع بداية مشوار التلحين في إهداء عشاق فنه في قطر أغاني التراث والأعياد والمناسبات الاجتماعية والطقوس الدينية التي كانت تردد في البيوت القطرية بحماس شديد نظرا لجمال كلماتها وتلحينها بشكل جعل الجميع يسجل إعجابه بفنان مبدع استطاع ان يحول فيها الإحساس لحنا عبر هذه الكلمات والأناشيد الشعبية المتداولة قديما ، بجانب الأغاني الوطنية التي ظهرت في فترة السبعينيات والثمانينيات بشكل خاص .. فأغاني الأعياد والطقوس الرمضانية والزواج والغوص على اللؤلؤ كلها كانت تعبر عن مدى عشقه لثقافة بيئته التي عاش وترعرع فيها وأحبها حتى النخاع .. وقد مكنته هذه البيئة التي كان يعيش فيها في حي الجسرة من تقديم هذه الأعمال بشكل يعد فريدا من نوعه في تلك الأيام .. واستطاع عبدالعزيز ان يجذب كافة شرائح المجتمع القطري والخليجي للاستماع لألحانه بقالب تشويقي ولد لأول مرة في تاريخ قطر في الستينيات وتطور إلى الأفضل مع فترة السبعينيات وما بعدها . الإذاعة بيته الأول ومع بداية عودته من القاهرة .. التحق عبدالعزيز ناصر بإذاعة قطر كموظف .. وفي هذه المرحلة بدأ ينشر إبداعاته الموسيقية من خلال تعاونه مع الكثير من الشعراء وكتاب الأغنية القطرية والعربية .. فبرع في تلحين الاغاني العاطفية والوطنية والقومية التي نالت استحسان الجميع .. وهي لا شك مرحلة خصبة للغاية أفادته كثيرا وعرفت به لجميع البلدان لعربية التي زارها وقامت بتكريمه نظير جهوده في ابداعه الموسيقي .. ولعل وجوده في إذاعة قطر كانت بمثابة المرحلة المهمة في مواصلة سيره نحو الانتشار وبرفقة الموسيقار (تيسير عقيل) مراقب النصوص بالإذاعة في ذلك الوقت .. وهي مرحلة تمتد إلى حوالي ربع قرن من العطاء .. بدأت سنة 1980 واستمرت مع الإذاعة حتى تقاعده عن العمل ومن ثم مرضه حتى وفاته في عام 2016 – عليه رحمة الله – وخلال هذا الوقت قدم عبدالعزيز ناصر ألحانه التي تتصل بقضايا الأمة والدفاع عن فلسطين والقدس وبيروت والعراق وأفغانستان ، كما تناولت ألحانه قضايا الساحة العربية مع انفجار ثورات الربيع العربي التي انطلقت شرارتها الأولى في تونس بشهر ديسمبر 2010 م .. ولاقت ألحانه هذه الترحيب من كافة عشاق فنه في العالم العربي . توثيق السلام الأميري قبل رحيل عبدالعزيز ناصر بسنوات تم تكليفي – شخصيا – من قبل هيئة متاحف قطر بتوثيق السلام الأميري لدولة قطر .. حيث اشتمل هذا التكليف بتوثيق السلام الأميري القديم الذي وضع في عهد حاكم قطر الراحل الشيخ أحمد بن علي آل ثاني ، وكذلك السلام الأميري الجديد الذي لحنه الموسيقار عبدالعزيز وكتب كلماته الشاعر الشيخ مبارك بن سيف آل ثاني في التسعينيات .. وقد ترددت على زيارته مرارا في بيته الخاص برفقة الباحث محمد أبو هندي من متاحف قطر لأجل هذا التوثيق المهم في تاريخ العلم والنشيد الأميري .. وبالفعل تم تدوين الكثير عن السلام الأميري وبداية كتابته وتلحينه والظروف التي مر بها حتى خرج بالصورة التي عرفناها جميعا بعد ذلك . كلمة أخيرة رحم الله عبدالعزيز ناصر .. ذلك الإنسان الذي عاش حياة البساطة ، والقلب الحنون ، والعطوف ، وكرمه الحاتمي الذي عرف عنه .. فما أن تسأل أي شخص عنه بعد رحيله إلا ويرفع له القبعة معلنا إعجابه بأخلاقه الرفيعة أولا ، وبإبداعاته الفنية ثانيا .. ولمن لا يعرف عبدالعزيز نقول له بأنه كان شديد التدين ومحافظا على صلواته في وقتها ولعل أعماله الخيرية والإحسان إلى الغير كانت شاهدة على فترة حياته التي عاشها بحلوها ومرها .