19 سبتمبر 2025

تسجيل

.. وإلا فلنُقم عليهم مأتمًا وعويلًا

22 يوليو 2017

كانت دول الخليج قبل الأزمة أفضل تجمع عربي إسلامي متجانس تربطه عروة وثقى لا انفصام بينها. ولا نقول زعمًا أن بينها تطابقا كاملا في وجهات النظر فذلك ضرب من الطوباوية والفردوس المفقود. فتباين الرأي فطرة ولو تطابقت وجهتي نظر رجلين فلا داعي لكليهما فواحد منهما يكفي. لكن لا يتحول تباين الرأي إلى حرب إلا في وجود قصور مفاهيمي في طبيعة الأشياء أو في حالة التربص وسوء النية.حسنا.. فلتكن الحرب بين الأشقاء حضارية يُعمِل فيها الفرقاء الفعل الدبلوماسي؛ فها هي بريطانيا من ناحية والاتحاد الأوروربي من ناحية أخرى يخوضان حربا بسبب قرار الأولى الخروج من الاتحاد، وأي حرب هي؟ حرب أدواتها ووسائلها القوانين والتشريعات، فلا دول الاتحاد أغلقت موانئها ومطاراتها وأجوائها في وجه بريطانيا أو اخترقت حواسيبها، ولا بريطانيا طردت مواطني دول الاتحاد، بل ظلت كل أنواع الدعم الاجتماعي والعلاج مستمر دون نقصان، ولن تمس الاتفاقيات قبل مرور عامين على الأقل. لنقل إن تأخر العرب والمسلمين عن ركب الحضارة الغربية يحول دون سيادة هذه المفاهيم الراقية في إدارة الصراعات والاختلافات، ولنسلّم بحتمية الحرب بسبب اختلاف وجهات النظر لوجود مفاهيم أكثر تخلفا، لكن أين أخلاق الحرب التي سادت ردحا طويلا في التاريخ العربي بما في ذلك زمان الجاهلية الأولى؟ لم تكن الحرب هكذا دون قيود أو أخلاق فاقت في رسوخها قوة القوانين، ولهذا كانت الحروب مضبوطة بالأخلاق لا تحركها غريزة الانتقام البهيمي، فضلا عن أن الحروب كانت ضدَّ البغاة والمعتدين لا ضدَّ الأبرياء المسالمين. هكذا كانت حضارة الأجداد تقوم بسند ورصيد القيم والأخلاق، فلم تنل هذه الأمة عزتها وشرفها ومكانتها إلا بعلو حظها ونصيبها من الأخلاق سلما وحربا. اليوم أرادوها حربا ضد قطر لكنها كانت حربا بلا أخلاق. كان اختراق وكالة الأنباء القطرية عملا غير أخلاقي في سياق حرب هي بالضرورة غير أخلاقية. عملية الاختراق التي بُنيت عليها الضربة الأولى ضد قطر وشعبها جرت على ثلاث مراحل، ابتدأت باختراق موقع الوكالة والسيطرة عليه، جرى بعدها قرصنة حسابات الوكالة على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم نشر شريط أخبار يحوي تصريحات ملفقة لأمير دولة قطر. وجرى ذلك الاعتداء الآثم في جنح الظلام من داخل دولة الإمارات العربية المتحدة.ومن نافلة القول إن القرصنة تُصنف دوليا ضمن جرائم الإرهاب الإلكتروني، فهي تعد خرقا وانتهاكا صارخا للقانون الدولي وللاتفاقيات الثنائية أو الجماعية التي تربط بين دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، أو جامعة الدول العربية أو منظمة التعاون الإسلامي أو الأمم المتحدة.تحقيقات وزارة الداخلية القطرية التي تمت بتعاون مع مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي (FBI) أكدت ما جاء في صحيفة واشنطن بوست الأمريكية الأسبوع الماضي، التي أكدت وقوف دولة الإمارات وراء حادث الاختراق، وهي الحقيقة التي أكدتها وسائل إعلام أمريكية أخرى مثل قناة "NBC" الأمريكية التي نقلت عن مسؤولين أمريكيين تأكيدهم صحة التقارير عن قرصنة الإمارات لوكالة الأنباء القطرية.وإزاء هذه الحقائق الدامغة لم يملك وزير الدولة الإماراتي لشؤون الخارجية إلا أن ينفي هذا العمل غير الأخلاقي نفيا خجولا باهتا، حيث قال أنور قرقاش الإثنين الماضي: "إن تقرير واشنطن بوست غير حقيقي". دون أن يورد أي حجة منطقية. إن لم تكن بقية دول التحالف تعلم ما قامت به الإمارات فلتقم بما يمليه عليها الضمير الحي، وإن كانت تعلم فلنقم عليهم مأتما وعويلا. وإذا أصيب القوم في أخلاقهم *** فأقم عليهم مأتما وعويلا