15 سبتمبر 2025

تسجيل

لماذا يريد الحبيب الصيد الاحتكام للبرلمان ؟

22 يوليو 2016

بعد إقرار وثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية في قصر قرطاج الأسبوع الماضي، اعتقد العديد من التونسيين أن أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في طريقها إلى الحل، لكن برزت عقبة رئيس الحكومة الحالي السيد الحبيب الصيد الذي رفض تقديم استقالته رغم الضغوطات التي مورست عليه. وكان الصيد قد أعلن الإثنين الماضي إثر لقائه الأسبوعي مع الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي أنه اتفق معه على اللجوء إلى البرلمان لحسم المسألة، وعلى التسريع في العملية ولكن عبر البرلمان. ويزيد إصرار رئيس الحكومة الحبيب الصيد على الاحتكام للبرلمان لفض خلافه مع رئيس الجمهورية، في تعطيل إنجاح مبادرة الباجي قائد السبسي المتعلّقة بحكومة الوحدة الوطنية، ويدفع بها نحو أزمة دستورية وسياسية جديدة ستكون لها تداعيات على المشهد السياسي الوطني، مؤسسات وأحزابا، ولاسيَّما على مستقبل العلاقة بين مؤسستي الرئاسة والحكومة الجديدة وأحزاب الائتلاف. وهناك إجماع لدى الطبقة السياسية الحاكمة في تونس، ولدى أساتذة القانون الدستوري، أن الوضع في البلاد بصفة عامة يتجه إلى حصول تعقيدات ومأزق داخل نظام الحكم، وداخل المنظومة القائمة ككل، لأن إقالة حكومة الحبيب الصيد، أو الإبقاء عليها، لا يمكن أن يتم إلا من خلال إجراء منح الثقة من عدمه الذي أقره الفصل 98 من الدستور، وهو إجراء أقل تعقيدًا ويقتضي 109 أصوات، وهو قابل للتحقيق بشرط أن يتقدم رئيس الحكومة بمطلب إلى مجلس نواب الشعب حول إعادة منح الثقة لحكومته من عدمه، وهو ما لم يقم به الحبيب الصيد.إضافة إلى ذلك، فإنه من الصعب جدًا تقديم لائحة لوم ضد حكومة الحبيب الصيد، بسبب إعلان حالة الطوارئ في البلاد، بدءًا من يوم 21 يوليو الجاري وفق ما أعلنته رئاسة الجمهورية التونسية يوم الثلاثاء الماضي. ويمنع إعلان حالة الطوارئ توجيه لائحة لوم ضد حكومة الحبيب الصيد، عملًا بما جاء في الفقرة الثانية من الفصل 80 من الدستور التونسي، حيث أتاح هذا الفصل لرئيس الجمهورية أن يتخذ التدابير التي تحتملها الحالة الاستثنائية التي تمر بها البلاد، ويمثل اختيار رئيس الجمهورية لنظام حالة الطوارئ أحد التدابير الاستثنائية التي سبق وأن اتخذها ومدّد العمل بها. والحال هكذا، لا يجوز تقديم لائحة لوم ضد حكومة الصيد، وهو ما يؤكده أيضًا الفصل 48 من النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب، لاسيَّما أن رئيس الحكومة رفض تقديم استقالته، وتخيّر اللجوء إلى مجلس نواب الشعب للتصويت على منح الثقة لحكومته، لكي تواصل نشاطها بحسب الفصل 98 من الدستور، وهي وسيلة ممكنة في الأنظمة البرلمانية.وقد قدم رئيس الحكومة الحبيب الصيد يوم الأربعاء الماضي الموافق 20 يوليو بشكل رسمي مراسلة طلب موعد عقد جلسة تجديد الثقة في حكومته إلى مكتب مجلس نواب الشعب، رافضا بذلك دعوته الحضور إلى جلسة يوم الجمعة22 يوليو الجاري كما كان مقررا. وينص الفصل 150 على أنه "إذا كان طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها صادرًا عن رئيس الحكومة، فإن رئيس المجلس يدعو للجلسة رئيس الحكومة وكامل أعضائها".ويذكر الفصل 151 أنه "إذا كان طلب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها صادرًا عن رئيس الجمهورية، فإن رئيس المجلس يدعو للجلسة رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وكامل أعضائها. ويفتتح رئيس المجلس الجلسة العامة بعرض موجز لموضوع الجلسة وبالتذكير بمقتضيات الفقرة الأولى من الفصل 99 من الدستور، الذي يمنح رئيس الجمهورية مثل هذه الصلاحية لـ"أن يطلب من مجلس الشعب التصويت على الثقة في مواصلة الحكومة لنشاطها مرّتين على الأكثر خلال كامل المدّة الرئاسية. ويتم التصويت بالأغلبية المطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب. فإن لم يجدّد المجلس الثقة اعتبرت مستقيلة. وفي حالة تجديد الثقة في المرتين يعتبر رئيس الجمهورية مستقيلا".من الواضح أن رئيس الحكومة السيد الحبيب الصيد يريد من مثوله أمام البرلمان أن يؤكد على بعض الحقائق الدستورية والسياسية للمشهد السياسي التونسي بكل تفصيلاته: أولها، أنه يعود للمؤسسة التي منحته الثقة، ويرفض أن يُقال من رئيس الجمهورية، ليقطع نهائيًا مفهوم "الوزير الأول" في النظام الرئاسي، ويذكّر الجميع بأنه رئيس مؤسسة دستورية تستمد شرعيتها من نواب الشعب، وليس من التزكية الرئاسية. وثانيها، أنه يوجه رسالة إلى أحزاب الائتلاف الحاكم، التي ينتظر أن تكون محرجة للغاية أمام الكتل المعارضة لأنها ستضطر لسحب الثقة من الرجل الذي دافعت عنه مرارًا، وستكون مجبرة على صياغة خطاب سياسي لا يسقطها في التناقض. وثالثها، إن قرار الحبيب الصيد رغم تداعياته واستتباعاته هذه، لا يعني بالضرورة أنه بهذه الخطوة سيقتطع "تذكرة" تمكنه من تمديد إقامته في قصر الحكومة بالقصبة، أو إعادة الروح إلى حكومته التي يدرك هو قبل غيره أن صفحتها قد طويت منذ لحظة الإعلان عن مبادرة حكومة الوحدة الوطنية. لكن الرجل أراد بذلك صون كرامته والدفاع عن إنجازات حكومته حتى وإن كانت محدودة ومعدومة. فضلًا عن أن الصيد يريد أن يكشف للرأي العام أن هناك لوبيات ومافيات من الفساد، محمية من قبل أحزاب الائتلاف الحاكم أو لا تريد مواجهتها، كانت تعرقل سير عمل حكومته.