11 سبتمبر 2025

تسجيل

الذهب الأبيض .. أزمة جديدة في مصر

22 يوليو 2015

قرارات أقل ما يمكن أن توصف به أنها متضاربة أو تفتقد للرؤية الثاقبة، أو التوقيت المناسب مثل قرار تقييد استيراد القطن قصير التيلة، وقرار إلغاء حظر استيراد القطن طويل التيلة الذي سيؤدي إلى إغراق مصر بالأقطان المستوردة - حيث يلغي رئيس الوزراء قرارا لوزير الزراعة - حتى وإن كان بعضها يهدف في ظاهره إلى المصلحة العامة، وبغرض تصريف المخزون الراكد للقطن المصري – الذهب الأبيض - الذي بدأ يفقد بريقه بعد أن كان متربعا على عرش الأقطان العالمية منذ بداية هذا القرن، حيث يرى البعض أن إلغاء رئيس الوزراء لقرار وزارة الزراعة بالحظر المؤقت لاستيراد القطن، جاء استجابة للتجار وأصحاب المصلحة في استيراد القطن، تزرعاً بحماية الصناعة والمستثمرين الأجانب في مجال الغزل والنسيج، بعد أن فقدت صناعة المنسوجات المصرية مكانتها العالمية التي تميزت بها لسنوات طويلة، لأن هذه القرارات تؤدي حتما إلى زيادة التكلفة على المصانع التي تتنافس محلياً مع المنتجات المستوردة من كل بقاع العالم، كما أنها تنافس عالمياً في الأسواق التصديرية الأخرى، حيث إن زيادة هذه التكلفة تقابلها زيادة في الخسائر ومضاعفة في الأعباء على المصانع، بالإضافة إلى الخسائر الأخرى التي تتمثل في خسارتنا للمصانع الناجحة التي تحقق أرباحاً، مع زيادة المصانع المتوقفة والتي سوف تتوقف، وربما حدثت أيضا تأثيرات سلبية على زراعة القطن وقدرته على المنافسة، بعد أن بلغ سعر قنطار القطن بالأسواق 1700 جنيه بعد قرار وقف الاستيراد، ولكن بعد قرار فتح الاستيراد انخفض السعر إلى 500 جنيه، وهو ما يمثل خسارة فادحة للفلاح، باعتبار أن إلغاء وقف الاستيراد يخدم رجال الأعمال، خاصة بعد أن استغل الأمريكان القيام بمشروع بحثي مشترك مع مصر منذ عدة سنوات وسرقوا جين القطن المصري وطوروا به إنتاجهم لينافس الأقطان المصرية، مما يتطلب فهم طبيعة المشكلة ودراسة أبعادها وتأثيراتها على أرض الواقع قبل اتخاذ إجراءات أو قرارات متسرعة.ولا شك أننا قد نجد صعوبة في ذلك، إذا كنا نفتقد في قطاعات الصناعة والزراعة للعقول القادرة على وضع إستراتيجيات وسياسات واضحة لهذه القطاعات والاتفاق عليها والالتزام بها، في إطار من سعة الأفق والقدرة على بناء الرؤية الصحيحة، لفهم متطلبات الصناعة في مصر، حتى لا تكون الرؤية للمسألة الزراعية مختلة أو غير واضحة وهي مرتبطة بخطوط الصناعة، لأن الإشكالية أننا لم نستطع تحقيق التوازن بين استيراد وزراعة القطن في وقت واحد حتى الآن، من منطلق أنه يمكن أن نصدر أقطانا مصرية ممتازة مثل طويلة التيلة، ونستورد أقطاناً قصيرة التيلة أرخص ثمنا، وهذا ليس مستحيلا، خاصة إذا كان ذلك يحقق التوافق بين مصالح الجميع، سواء الصناع والمزارعين أم الاقتصاد القومي، وهذا يفرض ضرورة وضع إستراتيجية لمحصول القطن ترتبط بخطط الصناعة، إلى جانب وضع إستراتيجية موازية للنهوض بالصناعات التي تعتمد على الأقطان المحلية طويلة التيلة، من خلال تشجيع وجذب مصانع الغزول العالمية الكبرى المتخصصة في مجال الأقطان طويلة التيلة على إقامة مصانع لها في مصر، وإعطائها مجموعة من الحوافز التشجيعية، باعتبار أن الصناعة المرتبطة بالقطن ليست هي الملابس فقط، إذ يمكن التركيز على صناعات الغزول الرفيعة وتصديرها، خاصة إذا كان هذا التصور قائما منذ سنوات، وقام بمقتضاه مستثمرون وطنيون وعرب بإنشاء مصانع تعتمد على القطن طويل التيلة وتصدير منتجاتها، لكنها تعاني حالياً بسبب فوضى السياسات وعشوائية القرارات، لأن استمرار السياسات القائمة يدل على عدم وجود رغبة أو خطة حقيقية لدى الدولة للارتقاء بزراعة القطن، أو بإنقاذ صناعة النسيج، التي يعمل بها نحو 620 ألف عامل وأكثر من مليون عامل بطريقة غير مباشرة، يعانون نتيجة تردي أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية، مما أدى إلى تهديد مئات المزارعين بالمحافظات التي تزرع القطن بعدم زراعته مرة أخرى، بعد المشاكل التي لحقت بهم من عدم تسويق محصولهم خلال الأعوام السابقة ووقوعهم تحت رحمة مافيا تجارة الأقطان وشراء المحصول بأقل الأسعار، وتجاهل الحكومة لوعودها لتعويض الفلاح عن التكاليف الباهظة التي تنفق على الفدان، والتي تصل لأكثر من 8 آلاف جنيه، مما قد يؤدي إلى تقلص المساحات المنزرعة قطنا والتي تبلغ الآن 247 ألف فدان، بعد أن كانت 2 مليون فدان عقب قيام ثورة 23 يوليو في عام 1952، وهذا سيؤدي حتما إلى تدهور زراعة الذهب الأبيض وتفاقم الأزمة على المدى البعيد وارتباطها بصناعات النسيج المصري، مما حدا بالاتحاد العام للفلاحين إلى تنظيم عزاء في "القطن" أمام مجلس الوزراء، باعتبار أن هذه القرارات بمثابة تنفيذ الإعدام في القطن المصري.