11 سبتمبر 2025

تسجيل

ذكاء القاضي

22 يوليو 2014

في مجالس الصلح والقضاء لابد للقاضي أن يكون ذكيا، صاحب حيلة ومكر ودهاء، ليستخرج الحقيقة، واليوم سنعرض بعض حيل القضاة لمعرفة الحقيقة. (1) كان عيسى بن موسى، يُحِبُّ زَوجَتُهُ حُبًّا شديدًا، فقال لها يومًا: أنتِ طالقٌ، إنْ لَم تكوني أحسنَ مِن القمر، فَنَهَضتْ، واحتَجَبَتْ عَنهُ، وقالت: قَد طَلّقتَني، فباتَ بليلةٍ عظيمة.فلما أصبحَ غدا إلى المنصور، وأخبَرهُ الخبر، وقال: يا أميرَ المؤمنين، إنْ تَمَّ طلاقُها تَلِفَتْ نفسي غَمًّا، وكان المَوتُ أحَبّ إليَّ مِن الحياة.وظهر للمنصورِ مِنه جَزَعٌ شديد، فأحضرَ الفقهاءَ، واستفتاهم، فقال جميعُ مَن حضر: قد طُلِّقَتْ، إلا رجلٌ مِن أصحابِ أبي حنيفة، فإنَّهُ سَكَتْ.فقال له المنصور: مالكَ لا تتكلم؟فقال: بسم الله الرحمن الرحيم: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ * وَطُورِ سِينِينَ * وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ * لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ) [التين: 1-4] فلا شيءَ أحسنَ مِن الإنسان.فقال المنصور، لعيسى بن موسى، قَد فَرَّجَ الله - تعالى - عنك، والأمر كما قال، فأقِم على زوجتك. وراسَلَها أنْ أطيعي زَوجَك، فَما طُلِّقتِ.إن هذا المجلس القضائي يظهر ذكاء القاضي وحسن تخلصه، وفيه يظهر حسن استقراء النص واستنباط الفتوى، وهي مهمة دقيقة، بها يمكن للقاضي أن يحفظ الحقوق، ويحمي الحرمات، ويمنع الظلم الذي قد يقع على أحد الأطراف.وإذا أردنا أن نذكر ذكاء القضاة فإن إياس ابن معاوية يقف في الصدارة. (2) لما ولي إياس القضاء ظهرت له فيه مواقف تدل على فرط ذكائه، وسعة حيلته، وقدرته الفذة في الكشف عن الحقائق. من ذلك أن رجلين تقاضيا عنده, فادعى أحدهما أنه أودع لدى صاحبه مالا، فلما طلبه منه جحده، فسأل إياس الرجل المدعى عليه عن أمر الوديعة، فأنكرها وقال: إن كانت لصاحبي بينة فليأت بها، وإلا فليس له عليّ إلا اليمين. فلما خاف إياس أن يأكل الرجل المال بيمينه، التفت إلى المودع وقال له:في أي مكان أودعته المال؟..قال: في مكان كذا....فقال: وماذا يوجد في ذلك المكان؟..قال: شجرة كبيرة جلسنا تحتها، وتناولنا الطعام في ظلها..ولما هممنا بالانصراف دفعت إليه المال.فقال له إياس: انطلق إلى المكان الذي فيه الشجرة، فلعلك إذا أتيتها ذكرتك أين وضعت مالك، ونبهتك إلى ما فعلته به، ثم عد إليّ لتخبرني بما رأيت، فانطلق الرجل إلى المكان، وقال إياس للمدعي عليه: اجلس إلى أن يجيء صاحبك، فجلس، ثم التفت إياس إلى من عنده من المتقاضين، وطفق يقضي بينهم، وهو يرقب الرجل بطرف خفي، حتى إذا رآه قد سكن واطمأن التفت إليه وبادره قائلا:أتقدر أن صاحبك قد بلغ الموضع الذي أودعك فيه المال؟.فقال الرجل من غير روية: كلا.. إنه بعيد من هنا.فقال له إياس: يا عدو الله، تجحد المال وتعرف المكان الذي أخذته فيه؟! والله إنك لخائن، فبهت الرجل وأقر بخيانته، فحبسه حتى جاء صاحبه، وأمره برد وديعته إليه.والحديث موصول غدا، إن شاء الله، عن ذكاء إياس بن معاوية.