11 سبتمبر 2025
تسجيلقبل شهور، أجرى معي التلفزيون القطري لقاء حول الثورات العربية وتطوراتها، وكان مما قلت الحث على تقديم المساعدات لمصر والوقوف إلى جانبها لتجاوز محنتها التي تمر بها بغض النظر عمن يحكمها، في ذلك الوقت كان الدكتور محمد مرسي رئيسا لمصر قبل عزله. والموقف من مساعدة مصر لايزال نفس الموقف: مساعدة مصر واجبة بلا منة بغض النظر عمن يحكمها، فقوة مصر قوة للعرب جميعا، وخصوصا لنا نحن بدول الخليج العربي حيث تشكل مصر عمقنا الاستراتيجي وبعدنا القومي العروبي الذي لا أمن للمنطقة بدونه. وقيام بعض دول مجلس التعاون الخليجي بتقديم مساعدات مليارية لمصر بعد ثورتها الثانية يندرج ضمن هذا الواجب والموقف، فلا غبار ولا اعتراض على تقديم المساعدات من حيث المبدأ، لكن طريقة وإخراج هذه المساعدات أوصلت عدة رسائل خاطئة: عززت ادعاءات الإخوان المسلمين أن ما جرى عليهم هو مؤامرة داخلية خليجية كونية شارك بها كل من بكوكب الأرض مدفوعا بالبترودولار للانقلاب العسكري عليهم ونزع "الشرعية الدستورية" عن رئيسهم محمد مرسي، بينما الحقيقة أن ما جرى هو ثورة تصحيحية قام بها الشعب الذي منح مرسي الشرعية الدستورية وسحبها منه حين قرر الانفراد بالسلطة وإقصاء الآخرين. والأدهى أن هذه المساعدات الواجبة، وبسبب طريقة إعلانها وتوقيت تقديمها، قد تكون مادة للمزايدة الانتخابية القادمة من قبل قوى مصرية أخرى غير الإخوان، ومن يدري؟ فحليف اليوم بالسياسة قد يكون غريم الغد، وغريم اليوم قد يكون حليف الغد! هكذا هي السياسة "قاتلها الله". إن طريقة تقديم المساعدات أوحت بانعدام التنسيق الخليجي وخصوصا في مسائل هامة لأنها تمت على شكل مبادرات فردية من بعض دول المجلس، كما أنها أثبتت أن دول المجلس أبعد ما تكون عن الاتحاد الخليجي الاقتصادي من أي فترة مضت، ناهيك عن بعدها عن حلم الوحدة الخليجية التي تم إعلانها، وذلك على الرغم من قرارات القمم ولقاءات وزراء التجارة والاقتصاد والمالية والبيانات الختامية الجميلة، لكن الطريقة التي تمت بها المساعدات فرادى تثبت لأي مراقب أنه لا وحدة خليجية ولا تنسيق ولا هم يحزنون. كان يفترض أن يتم إخراج المساعدات الخليجية بطريقة أكثر حصافة وأعمق دبلوماسية، كأن يجتمع المجلس الوزاري أو وزراء المالية بدول المجلس بمقر الأمانة العامة اجتماعا طارئا، ويصدرون بيانا يؤكدون فيه على واجبهم بمساعدة مصر بغض النظر عن التطورات الداخلية فيها التي هي شأن الشعب المصري وحده، وأنهم وإدراكا لمسئوليتهم وواجبهم تجاه مصر الحبيبة وفي ضوء الإعلانات المالية المرعبة للميزانية المصرية، فقد قرروا تقديم مساعدة قدرها كذا وكذا، وأن يكون هناك إشراف على صرف مثل هذه المساعدات أو تسمية لمشاريع شعبية تنموية ليدرك الشعب المصري الشقيق أنها موجهة فعلا لمساعدته لا لأهداف أخرى. المساعدات الخليجية لمصر واجب وليست منة، ولكن طريقة إخراجها أخرجتها من مضامينها وأهدافها النبيلة!