13 سبتمبر 2025
تسجيلبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم بدأ فصل جديد في تاريخ الدولة الإسلامية، فقد انقطع الوحي والنبوة، وبات القرآن والسنة مصدرا التشريع وهما الإطار الذي ينبغي أن يسير المسلمون فيه في دنياهم وأخراهم، وكان دور أبي بكر عظيما، حينما ذكر الناس بالقرآن، وهدأت ثورة حزنهم، وبدأوا في ترتيب الدولة، من سيكون الخليفة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت سقيفة بني ساعدة التي جمعت شركاء الوطن من المهاجرين والأنصار، ودارت الاقتراحات حتى قالوا: (منا أمير ومنكم أمير) ولكن هذا لا يمكن أن يصلح الدولة الإسلامية التي تواجه تحديات عظمى. تروي كتب السير أن الأنصار اجتمعت إلى سعد بن عبادة في سقيفة بني ساعدة فقالوا: منَّا أمير ومنكم أمير، فذهب إليهم أبو بكر وعمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح, فذهب عمر يتكلم فأسكته أبوبكر، وكان عمر يقول: والله ما أردت بذلك إلا أني قد هيَّأت كلاماً قد أعجبني خشيت أن لا يبلغه أبو بكر. ثم تكلم أبو بكر فتكلم أبلغ الناس فقال في كلامه: نحن الأمراء وأنتم الوزراء, فقال حباب بن المنذر: لا والله لا نفعل منَّا أمير ومنكم أمير، فقال أبو بكر: لا ولكنا الأمراء وأنتم الوزراء, هم أوسط العرب داراً وأعربهم أحساباً، فبايعوا عمر أو أبا عبيدة فقال عمر: بل نبايعك أنت فأنت سيدنا وخيرنا وأحبنا إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم, فأخذ عمر بيده فبايعه وبايعه الناس. وبهذا حسم الأمر لسيدنا أبي بكر وبايعه الصحابة جميعهم خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم واستعان بعمر في منصب القضاء الذي مكث عاما لم تأته خصومة، فطلب إعفاءه؛ لأن المجتمع في هذا الوقت كل عرف واجبه وحقوقه، وصارت بينهم المودة والرحمة. أما التحديات الخارجية التي واجهت أبا بكر الصديق فكانت كفيلة بأن تعصف بالدولة الإسلامية، حيث ارتداد بعض القبائل وامتناعها عن دفع الزكاة، وهنا يثور أبو بكر ثوة عارمة ضدهم، ويعلن الحرب عليهم، لتستقر الأمور ويبدأ البناء، وهنا يخالف عمر بن الخطاب رأي أبي بكر في شأن هذه الحروب ويرى أن يأخذ الناس باللين، فينهره أبو بكر ويقول له: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام لو منعوني عقال بعير كانوا يؤدونها لرسول الله لحاربتهم عليه. ويروي سيدنا عمر ذلك فيقول: لما قُبِضَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ارتدت العرب، وقالوا: لا نُؤَدِّي زكاة، فقال: لو منعوني عِقالا لجاهدتُهم عليه، فقلتُ: يا خليفةَ رسولِ الله، تَأَلَّفِ الناسَ، وارْفُقْ بهم، فقال لي: أَجَبَّار في الجاهلية وخَوَّار في الإِسلام؟ إِنَّهُ قد انقطع الوحيُ، وتَمَّ الدِّينُ، أَيَنْقُصُ وأنا حَيّ؟ وكانت نظرته ثاقبة؛ حيث إنه بهذه الحرب مهد لسيدنا عمر الطريق حتى ينطلق في الفتوحات الإسلامية بعد ذلك.