10 سبتمبر 2025

تسجيل

ظاهرة الإرهاب وإفلاس النظام الدولي (2)

22 يونيو 2019

أسباب الإرهاب تتحدد في عوامل سياسية، أيديولوجية، اقتصادية، ثقافية، واجتماعية. فالمشاكل التي ظهرت على هذه المستويات مجتمعة أدت إلى ظهور التطرف والإرهاب ورفض الآخر، هذا على المستوى الداخلي، أما على المستوى الدولي فهنالك بعض الدول تعمل على إيواء الإرهابيين والبعض الآخر يعمل على استعمال الإرهاب لإضعاف بعض الدول النامية والقضاء على معنوياتها ونشاطاتها حتى يتحكم في مصيرها كما يشاء، أما النوع الثالث فهي تلك الدول التي تمارس إرهاب الدولة مثل الكيان الصهيوني وهذا حتى يضمن بقاءه ويقضي على كل من يقف في طريقه. فالأسباب إذا عديدة ومتشابكة منها ما هو محلي ومنها ما هو دولي ومنها ما هو أيديولوجي ديني ومنها ما هو اقتصادي، ويمكننا تلخيصها فيما يلي: الأسباب السياسية: أن الإقصاء السياسي وضعف الحريات السياسية وعدم المشاركة السياسية من قبل فئات عريضة من المجتمع والناجمة عن انتشار وسيادة النظم السياسية السلطوية أدت إلى فجوة كبيرة جدًا بين الحاكم والمحكوم وأصبح بذلك المجتمع المدني محرومًا من أدنى حقوقه للتعبير عن مطالب ومشاكل واهتمامات الجماهير الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وانعدام المشاركة السياسية للغالبية العظمى للجماهير يؤدي إلى الإقصاء والتهميش ويفتح المجال أمام المؤسسات الحكومية للتلاعب في الفضاء السياسي كما تشاء ومن أجل خدمة حفنة من السياسيين وأصحاب النفوذ والمصالح. الأسباب الأيديولوجية: وترتبط كثيرًا بالأسباب السياسية وتتمحور أساسًا في الخلاف الجذري لرؤية الأمور وغياب مشروع المجتمع أو المشروع القومي، فهنالك العلمانيون الذين يؤكدون على ضرورة فصل الدين عن الدولة، وهنالك من يتسترون وراء الدين ويؤكدون على رؤية كل شيء من منظار ديني لكن بدون تقديم مشروع متكامل لمعالجة القضايا وبناء المجتمع. والفئة الثانية لا تؤمن بالنظام القائم ولا بمؤسساته ولا بسلطته وهذا ما دفع بها للقيام بعمليات إرهابية ضد الدولة ومؤسساتها المختلفة وكل رموزها وبعد ذلك ضد أفراد المجتمع. ومما زاد في خطورة الوضع انه في بعض الأحيان ردّ العلمانيون بالإرهاب على العمليات الإرهابية وأصبح المجتمع يدور في حلقة مفرغة خطيرة. الأسباب الاقتصادية: إن فشل المشاريع التنموية في معظم الدول النامية أدى إلى تفشي الفقر والجهل والمشاكل الاقتصادية في المجتمع وهذا نظرًا للزيادة المطردة في عدد السكان وفي احتياجاتهم المتزايدة من مأكل ومشرب وبنية تحتية ومدارس ومستشفيات… الخ، هذه الأمور كلها أدت إلى تفاقم البطالة ومشاكل أخرى تزداد تعقيدا يوما بعد يوم كما أن المرحلة الانتقالية التي تمر بها معظم الدول النامية من الاقتصاد الموّجه إلى الاقتصاد الحر أدت إلى العديد من المشاكل كتسريح العمال واللجوء إلى الخصخصة التي لا ترحم، إلى غير ذلك من المشاكل. فالفجوة الطبقية الضخمة التي توجد في غالبية الدول النامية تزيد يومًا بعد يوم من غنى الأغنياء وفقر الفقراء وزيادة عدد المهمشين وانعدام الحد الأدنى للحياة الكريمة عند نسبة كبيرة من السكان. فالشباب المهمّش في معظم دول العالم الثالث فقد كل أمل في الحياة وهو المتعلم الجامعي الذي لم يحصل على منصب شغل ولذلك لا يستطيع الحلم لا بمسكن ولا بحياة كريمة ولا بحياة زوجية ونظرًا للعولمة ولعالمية الصور والأنماط الاستهلاكية الغربية ومعيشة وحياة الوفرة والثراء التي تقدمها المسلسلات والأفلام الغربية يصبح المهّمش في العالم الثالث قاب قوسين أو أدنى من التطرف، وإلغاء الآخر وبذلك الإرهاب والثورة ضد كل ما هو قائم في المجتمع. الأسباب الثقافية: تعاني الكثير من الدول النامية من الانفصام الثقافي، والتبعية الثقافية وفي بعض الأحيان من أزمة هوية. وهذه الأمور كلها مجتمعة تؤدي إلى صراع داخل المجتمع إذا لم يكن مبنيًا على التسامح والتفاهم واحترام الرأي الآخر وانعدام المجتمع المدني تكون نتيجته الحتمية تصفية الآخر والتخلص منه. ومن مخلفات الاستعمار وجود نخبة من المثقفين وأشباه المثقفين والتابعين في الدول النامية منسلخة تمامًا تدافع وتمثل مصالح دول المركز، والصراع الثقافي هذا أدى في الكثير من الدول النامية إلى وجود دويلات داخل دولة وهويات ثقافية مختلفة، الأمر الذي انعكس بالسلب على الإنتاج الثقافي وعلى هوية الصناعات الثقافية المختلفة وعلى مخرجات وسائل الإعلام. وهكذا أصبح الخطاب الثقافي يعكس عدة اتجاهات متناحرة ومتناقضة تمثل مختلف التيارات الأيديولوجية والعقائدية والتي لا يربط بينها قاسم مشترك واحد، وهذا ما من شأنه أن يغذي التطرف والحركات الإرهابية حيث إن هذه التيارات الثقافية المختلفة لا تؤمن ببعضها البعض لكن كل واحد منها يعمل على إقصاء الآخر بشتى الطرق والوسائل. ونلاحظ هنا الغياب الكلي للمؤسسة الإسلامية حيث تركت فراغا كبيرًا وأصبح مما هبّ ودبّ يفتي حسب هواياته ومعتقداته ومصالحه الخاصة ضاربا عرض الحائط كل من لا يرى العالم كما يراه هو. الأسباب الاجتماعية: أن فشل المشاريع والخطط التنموية في معظم الدول النامية، والخلل الذي نجم عن هجرة الأرياف إلى المدن، وعدم الاهتمام بتطوير البنية التحية في المناطق الريفية والنائية نجم عنه ظهور الأحياء العشوائية و»الغيتوهات» وتدهور حالة المدن حيث انعدمت فيها مقومات الحياة الكريمة وتفشت فيها الأمراض والأوبئة وتفاقمت فيها أزمة السكن وانعدمت فيها الراحة والطمأنينة والأمان والشروط الأساسية للمدينة الحديثة. أضف إلى ذلك أن الأسباب السالفة الذكر اقتصادية، سياسية، أيديولوجية وثقافية- كلها أدت إلى انتشار وتفشي أمراض اجتماعية خطيرة قضت على مفهوم الأسرة والعائلة والتلاحم الاجتماعي… الخ. هذه الأمور كلها هيأت الظروف لظهور جيل من الشباب حاقد على المجتمع وعلى الدولة والسلطة ومختلف مؤسساتها، جيل مهيأ للعنف والتطرف وإقصاء الآخر في غياب الوسائل والإمكانيات. إن غياب البرامج الاجتماعية في الدول النامية أو استغلالها من قبل الفئات التي ليست بحاجة إليها في واقع الأمر زاد في تفاقم أوضاع الفئات المحرومة في معظم الدول النامية. إفلاس النظام الدولي: يتصف النظام الدولي بسيطرة القوى الفاعلة فيه على باقي البشرية وبذلك فإنه يفتقد القيم والأخلاق والعدالة في العلاقات السياسية الدولية والعلاقات الاقتصادية الدولية. ومع انهيار الثنائية القطبية وبروز الولايات المتحدة كقوة وحيدة على الساحة الدولية وبدون منازع جعل النظام الجديد أو العولمة تثير عدة مشاكل وعدة ردود أفعال مناهضة ومناوئة سواء في الدول النامية أو الدول المتقدمة أو حتى في داخل الولايات المتحدة نفسها. وما يشير إلى خطورة الوضع هو تفاقم الهوة يوما بعد يوم ما بين الأغنياء والفقراء وتراجع مستوى المعيشة في غالبية دول العالم. أصبح الإرهاب في هذا القرن الشغل الشاغل للكثير من الدول سواء كانت متقدمة أو نامية، والإرهاب قد يهم الغالبية العظمي من الدول وهذا نظرًا لخطورته وسرعة انتشاره وتشابك أسبابه ودواعيه وصعوبة التحكم فيه والسيطرة عليه. إن المنظومة الدولية بأسرها ليست عن منأى عن الإرهاب وانعكاساته الخطيرة، فالإرهاب ونحن في بداية القرن الحادي والعشرين أصبح يستعمل وسائل تكنولوجية متطورة وأصبح ظاهرة عالمية تمتد خيوطه وقنواته في عدد كبير من العواصم العالمية، كما أصبح الإرهاب جزءا من المافيا العالمية التي تعتمد على المتاجرة في المخدرات وتهريب الأسلحة وغسل الأموال وتزوير الهويات والوثائق وغير ذلك، ولذلك ما يحدث من عمليات إرهابية في دولة ما قد يحدث في أي دولة في العالم وفي أي لحظة، والدليل على ذلك حادثة أوكلاهوما، وحادثة المركز التجاري العالمي بنيويورك، وحادثة مترو باريس، ومترو طوكيو، وأحداث نيويورك وواشنطن الأخيرة والقائمة ما زالت طويلة. وما يعّقد من خطورة ظاهرة الإرهاب سواء على الصعيد المحلي أو الدولي هو تعامل وسائل الإعلام معه، فنلاحظ الاستغلال الكبير للإرهابيين لوسائل الإعلام بمختلف أنواعها وأشكالها وما من عملية إرهابية إلا وتتصدر نشرات الأخبار التلفزيونية، والصفحات الأولى في الجرائد وهذا من شأنه أن يخدم الإرهابيين بالدرجة الأولى حيث إنهم يصلون بكل سهولة إلى أهدافهم ويتواصلون مع الرأي العام مباشرة وعلى الهواء. وفي غالب الأحيان تخدم وسائل الإعلام الإرهاب أكثر من خدمتها للحقيقة والكشف عن الواقع حيث إن معظمها يعتمد على الإثارة والتسطيح والتبسيط ويتجاهل التعمق في المشكلة وإبراز أسبابها وانعكاساتها وخباياها المختلفة وفي غالب الأحيان يبقى الرأي العام تائها بين الواقع والخيال وبين الحقيقة والواقع. [email protected]