12 سبتمبر 2025

تسجيل

العلامة الشيخ إبراهيم بن عبد الله الأنصاري (2)

22 يونيو 2016

نواصل ذكر جوانب من حياة العلامة الشيخ إبراهيم الأنصاري ، يقول -رحمه الله- تذكرت والدتي وأخي وعشيرتي وأصدقائي وإخواني، فاشتاقت نفسي لزيارتهم، فعزمت على السفر بعد التوكل على الله، ركبت المركب إلى دبي ومنها توجهت إلى لِنجة، وكانت هذه الرحلة من أعز الرحلات في حياتي، إذ كان بي شوق مفعم لطلب العلم وللقاء عالم جليل هناك ذاع اسمه في الساحل كله وشبه الجزيرة العربية، كان هذا العالم يدعى عبد الرحمن (سلطان العلماء) فما وطأت قدماي أرض بندر لجنة حتى سألت عن صاحبي هذا فأرشدوني إليه، وبقيت عنده شهراً كاملاً، إذ أنساني علمه، وفضله، الأهل، والمقصد الذي من أجله رحلت من الخور، وبعد ذلك استأذنت لزيارة والدتي وأخي وعشيرتي، فأذن لي بذلك بعد أن مد لي يد المساعدة ثم قال: (سوف ترجع إن شاء الله، وتدرك الخير، وأخر الزواج إلى العام المقبل) فشعرت بهذه الكلمة من سيدي وشيخي تشق قلبي وعقلي، إذ كانت تعبيراً صادقاً عن فراسة الإيمان وكرامة الصالحين، لأنني كنت قاصدا الزواج حال وصولي إلى أهلي . وكان ذلك سر لا يعلمه إلا الله تعالى، فما أن سمعت عبارة الشيخ، حتى أيقنت أن النفس لا بد من كسر جماحها عما تشتهي .. وأخيراً سافرت إلى (جفر مسلم) والتقيت بالوالدة والأخ والعشيرة وبقيت هناك عشرة أيام وأشارت الوالدة والأخ والأقارب عليّ بالزواج، ولكنني تريثت قليلاً وقلت لهم: بعد رجوعي إن شاء الله. ... وعدت إلى لنجة، إلى شيخي، وأستاذي .. ومَنَّ الله عليَّ بالفتوح والإدراك .. فأقبلت على العلم ألتهمه التهاماً، ولم تمض شهور قليلة حتى كنت المقدم في الدرس، وسمعت عبارة من الشيخ يقول لأحد طلابه: (إذا أشكل عليكم معنى، فاسألوا الملا الأنصاري).وكانت هذه هدية كبرى من الشيخ لي .. ومكثت في الدراسة بعد ذلك سنة ونصف سنة واستأذنت الشيخ في السفر لزيارة الأهل، فقال لي الشيخ، (إن شاء الله موفق .. وتتزوج بامرأة صالحة، وتنجب منها وتقر به عينك، وتنفعك في الدنيا والآخرة، ويحيى ذكرك). فاعتبرت هذا القول بمثابة الاستخارة. ... ورجعت إلى الوالدة والأهل، حيث مكثت سبعة أيام، ثم خطبت لي والدتي، وكان هذا الزواج من أبرك وأسهل المطالب في حياتي وإليكم السبب:لم يكن عندي ذلك اليوم مهراً أدفعه، ولا مالاً أنفقه ولم أُصلِّ المغرب مساء ذلك اليوم إلا وقد وصلني من جهات متعددة مساعدات أكثر من حاجتي، مساعدات من الطعام والدراهم والثياب، فكانت منة من الله تعالى أسداها إلى عبده الفقير. أوزعني الله شكر نعمته. ثم بقيت أكثر من ثلاثة أشهر رجعت بعدها إلى لنجة، ولكنني لم أستطع التفرّغ للدراسة، فرجعت إلى الأهل بعد أربعة أشهر، وأخذت الكتب معي، لأدرس فيها حيثما أقيم.وكانت فترة من أحسن فترات عمري ما راجعت درساً أو قرأَت كتاباً إلا ورسخ في حفظي وذهني أكثر أحكامه وعباراته.وكان شيخي -رحمه الله- قوي المحافظة، قلما يحتاج إلى مسألة إلا ويقول: انظر في كتاب كذا، وفي باب كذا، بل وربما حدد الصفحة جهة اليمين أو اليسار، من فوق أو من تحت، وكان لهذا أكبر الأثر في نفسي وتعلقي به ـ رحمه الله رحمة واسعة.وقد بقيت في فارس نحواً من ست سنوات، ثم أحال لي أستاذي -رحمه الله- بعض حالات التحكيم للفصل فيها، كما أباح لي الإفتاء في المسائل بالمنطقة التي كنت أسكنها، ثم نُصِّبْتُ لتعليم القرآن فترة من الزمن إلى أن شاء الله أن رحلت بعد ذلك إلى حيث المستقر في أرض قطر ... في الخور.