30 أكتوبر 2025
تسجيلبعد أن خلع بذلة الخاكي لم يستطع الجنرال جاي غارنر أن يتخلى عن صهيونيته.. لذلك اختطف بول بريمر الأضواء ليسجله التاريخ كأول حاكم مدني للعراق في ظل الاحتلال الأمريكي.. كان بريمر يترجل من على سلم الطائرة في 6 مايو 2003م وخطواته تشي بروح النصر والاعتداد بهذا الحدث الذي جعل دار الخلافة وبوابة العروبة تحت أقدام حاكمها الجديد؛ وبينما كنا خلف الشاشات نتابع تلك اللحظات المريبة والعصيبة كانت تلفنا جملة من مشاعر الضيم والخنوع والضياع.. ورغم ذلك كله كانت تخالجنا الأحلام الطوال في أن تتحول بغداد بمكوناتها وشوارعها لتكون ككل المدن الأمريكية تحتضن سكانها بهدوء ورفاهية؛ كنا نتوقع أن الغزو الأمريكي وكلفته الباهظة بما فيها الصواريخ الموجهة والقنابل الذكية وتحريك حاملات الطائرات الضخمة نحو مياهنا الدافئة في الخليج ربما تحمل بعض المعطيات الإيجابية لشعب العراق المغلوب على أمره طويلاً.. سوى أن صدام سقط في خيانة كبرى للجيش العراقي كما يُشاع وكانت تلك بداية الخيط الذي جر بلاد الرافدين إلى حمام الدم المستطير.. لم تكن مسائية مطار بغداد ليلة هبط العلوج كما ينعتهم الوزير الصحاف هزيمة بمفهومها العسكري وتوازناتها بل كانت ليلة خيانة كبرى للعراق وللأمة أتت بمن توالوا على كرسي الحكم عبر دستور غريب ومحاصصات طائفية تكرس الفرقة بين شعب ظلت اللحمة بين أفراده وأطيافه من أكبر المكتسبات.. فعلاً لم يكن المحتل الأمريكي وهو يحتمل مناظر توابيت جنوده العابرة للمحيط ويدفع تكاليف حرب ضروس لمجرد بناء الديمقراطية والعدالة وتعليمها لأبناء الرافدين أو حتى تعميم التنمية في بلد كان منارة أولى للعلم والاختراع منذ حمورابي ونبوخذ نصر، ولكن الهدف كان تفكيك الجيش العراقي وعزله عن الأمة فذلك كان أول قرارات بريمر التي توالت هزيلة مضحكة تضعف الإنسان العراقي وتدمر فيه روح الانتماء واللحمة، تماما كالقرار 81 لبريمر والذي يلزم الفلاحين العراقيين بالتحول عن استخدام البذور التقليدية في الزراعة إلى استخدام البذور الواردة مع الشركات الاحتكارية وذات الصيغ الجينية المعدلة Monsato Synegnea Beyer، ويقال عن هذا القرار إن السيد بريمر جامل صديقا له من حملة الأسهم في إحدى الشركات الزراعية الكبرى، كانت تلك مجاملة بينما الشارع العراقي يغلي وتتوسع فيه حالات القتل والتدمير ونهب الثروات؛ كانت بذور بريمر المعدلة تنمو لتنمو معها بذور الفرقة والطائفية بشكل أسرع بين أجزاء العراق، وشكلت مجالس الحكم وصيغ الدستور الذي كان كالماء النتن يغذى زرعاً يلوث ناتجه ليسمم كل مستهلك، لذلك سمم الدستور الجديد جسد العراق وقسم لحمته والنتائج تظهر تباعاً كما شاهدنا في قوافل داعش وغيرها من الفرق التي لا يحلو لها سوى الرقص على الجثث، لذلك عندما تفتش عن جيش العراق لصد تلك المؤامرات والمحن وحفظ الأمن لكل الناس هناك فلا يحزنك ضعفه ولا هوانه، فقد نفذ بريمر ومن بعده خطتهم فخارت قوى الجيش الذي كنا نحسبه يوماً عماداً للأمة، فالمشهد العراقي مخيف والمرجفون في كل مكان هناك فهل فعلتها العشائر أم رجال داعش أو غيرهم لتفرض واقعاً جديداً للعراق، المهم أن العراق على أبواب مرحلة مخيفة له وللمنطقة مالم تصغ ضوابط المرحلة وفق رؤية وطنية شاملة ترضي كل أطرافه وتعيد للعراق مكانته وهيبته.